للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثوبِ، ورُكوبِ الدَّابَّةِ، وطلاقِ المرأةِ على وَجْهٍ مُباحٍ، فهذا يتَخيَّرُ النَّاذِرُ فيه، بينَ فِعْلِه فيَبَرُّ بذلك؛ لما رُوىَ أَنَّ أمرأة أتتِ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: إنِّى نَذَرْتُ أن أضْرِبَ على رَأْسِك بالدُّفِّ. فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أوْفِ بِنَذْرِكِ". رواه أبو داودَ (٣٣). ولأنَّه لو حلَف على فعلِ مُباحٍ، بَرَّ بفعْلِه، فكذلك إذا نَذَرَه؛ لأنَّ النَّذْرَ كاليَمِينِ. وإِنْ شاءَ تركَه وعليه كفارةُ يَمِينٍ. ويَتخرَّجُ أَنْ لا كفَّارةَ فيه؛ فإِنَّ أصْحابَنا قالوا، فى مَن نَذَرَ أن يعْتَكِفَ أو يُصَلِّىَ فى مسجدٍ مُعَيَّنٍ: كان له أن يُصَلِّىَ ويعْتكِفَ فى غيرِه، ولا كفَّارةَ، ومن نَذَرَ أن يتصدَّقَ بمالِه كلِّه، أجْزَأتْهُ الصدقةُ بثُلثِه بلا كفَّارةٍ. وهذا مثلُه. وقال مالكٌ، والشَّافعىُّ: لا ينْعَقِدُ نَذْرُه؛ لقولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا نَذْرَ إِلَّا فِيمَا ابْتُغِىَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ". وقد روَى ابنُ عبَّاسٍ، قال: بَيْنَا النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطُب، إذ هو برجلٍ قائمٍ، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيلَ، نذرَ أن يقومَ فى الشمس، ولا يسْتظلَّ، ولا يتكلمَ، ويصومَ. فقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مُروهُ [فَلْيَجْلِسْ، وَلْيَسْتَظِلَّ] (٣٤)، وَليَتَكَلَّمْ، وَلْيُتمَّ صَوْمَهُ" روَاه البخارىُّ. وعن أنسٍ قال: نذَرَتِ امرأةٌ أَنْ تمشيَ إلى بيتِ اللَّهِ الحرامِ (٣٥)، فَسُئِلَ نَبىُّ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك، فقال: "إِنَّ اللَّه لَغَنِىٌّ عَنْ مَشْيهَا، مُرُوهَا فَلْتَرْكَبْ". قال التِّرْمِذِىُّ (٣٦): هذا حديثٌ حَسَنٌ (٣٧) صحيحٌ (٣٨). ولم يأمُرْ بكفَّارةٍ. ورُوِىَ أَنَّ النَّبىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى رجلًا يُهادَى بين اثْنَين، فسألَ عنه، فقالوا: نَذَرَ أن يَحُجَّ ماشِيًا. فقال: "إِنَّ اللَّه لَغَنِىٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ، مُرُوهُ فَلْيَرْكَبْ". مُتَّفَقٌ عليه (٣٩). ولم يأمُرْه بكفَّارةٍ، ولأنَّه نَذرٌ غيرُ مُوجِبٍ


(٣٣) فى: باب ما يؤمر به من الوفاء عن النذر، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبى داود ٢/ ٢١٣.
كما أخرجه الترمذى، فى: باب مناقب عمر رضى اللَّه عنه، من أبواب المناقب. عارضة الأحوذى ١٣/ ١٤٧. والإمام أحمد، فى: المسند ٥/ ٣٥٣، ٣٥٦. والبيهقى، فى: باب ما يوفى به من النذر، من كتاب النذور. السنن الكبرى ١٠/ ٧٧. وابن حبان، فى: باب ذكر الخير الدال على إباحة قضاء النذر. . .، من كتاب النذور. انظر: الإحسان ٦/ ٢٨٦، ٢٨٧.
(٣٤) فى م: "فليستِظل وليجلس".
(٣٥) سقط من: ب.
(٣٦) فى: باب ما جاء فى من يحلف بالمشى ولا يستطيع، من أبواب النذور. عارضة الأحوذى ٧/ ١٩، ٢٠.
(٣٧) سقط من: م.
(٣٨) بعد هذا فى الترمذى: "غريب".
(٣٩) أخرجه البخارى، فى: باب من نذر المشى إلى الكعبة، من أبواب المحصر وجزاء الصيد، وفى: باب النذر فيما لا =

<<  <  ج: ص:  >  >>