للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للحُكومَةِ والفُتْيَا وغيرِ ذلك من حَوائجِهم، وكان أصْحابُه يُطالِبُ بعضُهم بعضًا بالحُقوقِ في المسجدِ، وربَّما رَفَعُوا أصْواتَهم. فقد رُوِيَ عن كعبِ بنِ مالكٍ أنَّه قال: تقاضيْتُ ابنَ أبي حَدْرَدٍ دَيْنًا في المسجدِ، حتى ارتفعتْ أصْواتُنا، فخرجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأشارَ إليَّ، أنْ ضَعْ مِن دَيْنِك الشَّطْرَ. فقُلْتُ: نعم يا رسولَ اللهِ، فقال: "فَقُمْ فَاقْضِهِ" (٥٨). وينْبَغِى أنْ يكونَ جُلوسُه في وَسَطِ البلدِ، لئلَّا يَبْعُدَ على قاصِديه، ولا يتَّخذَ حاجِبًا يَحجُبُ الناسَ عن الوُصولِ إليه؛ لما رَوىَ القاسمُ بنُ مُخَيْمِرَةَ، عن أبي مريمَ صاحبِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنَّه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "مَنْ وَلِىَ مِنْ أمُورِ النَّاسِ شَيْئًا، وَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ، احْتَجَبَ اللهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَفَاقَتِهِ وَفَقْرِهِ". روَاه التِّرْمِذِيُّ (٥٩). ولأنَّ حاجِبَه ربَّما قدَّمَ المُتأخِّرَ وأخَّرَ المُتقدِّمَ لِغَرَضٍ له، ورُبَّما كسَرهم بحَجْبِهم والاسْتِئْذانِ لهم. ولا بأْسَ باتِّخاذِ حاجِبٍ في غيرِ مجلسِ القضاءِ. ويُبْسَطُ له شىءٌ [يجْلِسُ عليه] (٦٠)، ولا يَجلسُ على التُّرابِ، ولا على حَصِيرِ المسجِدِ؛ لأنَّ ذلك يَذْهبُ بهَيْبَتِه مِن أعْيُنِ الخُصومِ، ويجْعلُ جُلوسَه مُسْتقبِلَ القبلةِ؛ لأنَّ خيرَ المجالسِ (٦١) ما استُقبِلَ به القبلةُ. وهذه الآدابُ المذكورةُ في هذا الفضلِ ليستْ شَرْطًا في


(٥٨) أخرجه البخاري، في: باب التقاضى والملازمة في المسجد، وباب رفع الصوت في المساجد، من كتاب الصلاة، وفي: باب كلام الخصوم بعضهم في بعض، من كتاب الخصومات، وفي: باب الصلح بالدين والعين، من كتاب الصلح. صحيح البخاري ١/ ١٢٣، ١٢٤، ١٢٧، ٣/ ١٦٠، ٢٤٦. ومسلم، في: باب استحباب الوضع من الدين، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم ٣/ ١١٩٢. وأبو داود، في: باب في الصلح، من كتاب الأقضية. سنن أبي داود ٢/ ٢٧٣. والنسائي، في: باب حكم الحكم من داره، من كتاب القضاة. المجتبى ٨/ ٢١٠. وابن ماجه، في: باب الحبس في الدين والملازمة، من كتاب الصدقات. سنن ابن ماجه ٢/ ٨١١. والدارمي، في: باب في إنظار المعسر، من كتاب البيوع. سنن الدارمي ٢/ ٢٦١. والإمام أحمد، في: المسند ٦/ ٣٩٠.
(٥٩) في: باب ما جاء في إمام الرعية، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذي ٦/ ٧٤.
كما أخرجه أبو داود، في: باب فيما يلزم الإمام من أمر الرعية والحجبة عنهم، من كتاب الإمارة. سنن أبي داود ٢/ ١٢٢. والبيهقي، في: باب ما يستحب للقاضي، من كتاب آداب القاضي. السنن الكبرى ١٠/ ١٠١، ١٠٢.
(٦٠) سقط من: م.
(٦١) في الأصل: "المجلس".

<<  <  ج: ص:  >  >>