للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْناه من سائرِ ما ذكرنَاه. ويُسَلِّمُ على مَن يمُرُّ به [مِن المُسلمين] (٥٢) في طريقه، ويَذْكرُ اللهَ بقلبِه ولسانِه حتَّى يأْتِيَ مَجْلِسَه، ويُسْتحَبُّ أن يجعلَه في موضعٍ بارزٍ للناسِ فسيحٍ، كالرَّحبَةِ والفَضاءِ الواسعِ أو الجامعِ. ولا يُكْرهُ القضاءُ في المساجدِ (٥٣)، فعلَ ذلك شُرَيحٌ، والحسنُ، والشَّعْبيُّ، ومُحارِبُ بنُ دِثارٍ، ويحيى بنُ يَعْمُرَ، وابنُ أبي ليلى، وابنُ خَلْدَةَ (٥٤)، قاضٍ لِعُمرَ بنِ عبدِ العزيزِ، رضي اللهُ عنه. ورُوىَ عن عمرَ وعثمانَ وعليٍّ، أنَّهم كانوا يَقْضُون في المسجدِ. وقال مالكٌ: القضاءُ في المسجدِ مِن أمرِ الناسِ القديمِ. وبه قال مالكٌ، وإسحاقُ، وابنُ المُنذِرِ. وقالَ الشَّافعيُّ: يُكرَه ذلك، إلَّا أنْ يتَّفِقَ خَصْمانِ عندَه في المسجدِ؛ لما رُوِيَ أنَّ عمرَ كتبَ إلى القاسمِ بنِ عبدِ الرحمنِ، أنْ لا تَقْضِيَ في المسجدِ؛ لأنَّه تأْتيكَ الحائضُ والجنبُ. [ولأنَّ الحاكمَ يأْتِيه الذِّمِّيُّ والحائضُ والجُنُبُ] (٥٥)، وتَكْثرُ غاشِيَتُه، ويَجْرِي بينهم اللَّغَطُ والتَّكاذُبُ والتَّجاحُد، وربَّما أدَّى إلى السَّبِّ وما لم تُبْنَ له المساجدُ. ولَنا، إجْماعُ الصحابةِ بما قد رَويْناه عنهم. وقال الشَّعْبيُّ: رأيتُ عمرَ وهو (٥٦) مُسْتَنِدٌ (٥٧) إلى القِبلةِ، يَقضِي بينَ الناسِ. وقال مالكٌ: هو مِن أمرِ النَّاسِ القديمِ. ولأنَّ القضاءَ قُرْبَةٌ وطاعةٌ وإنْصافٌ بين الناسِ، فلم يُكْرَه في المسجدِ، ولا نَعْلَمُ صِحَّةَ ما رَوَوه عن عمرَ، وقد رُوِيَ عنه خِلافُه. وأمَّا الحائضُ، فإنْ عَرضَتْ لها حاجَةٌ إلى القضاءِ، وَكَّلَتْ، أو أتَتْه في منزلِه. والجُنُبُ يَغْتسِلُ ويدْخُلُ، والذِّمِّيُّ يجوزُ دُخولُه بإذْنِ مسلمٍ. وقد كان النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْلِسُ في مسجدِه، مع حاجةِ الناسِ إليه


= والنسائي، في: باب النهي عن أن يقضى في قضاء بقضاءين، من كتاب القضاة. المجتبى ٨/ ٢١٦، ٢١٧.
(٥٢) سقط من: الأصل، ب.
(٥٣) انظر لذلك ما أخرجه البخاري، في: باب من قضى ولاعن في المسجد، من كتاب الأحكام. صحيح البخاري ٩/ ٨٥.
(٥٤) عمر بن خلدة، ويقال: عمر بن عبد الرحمن بن خلدة الزرقي الأنصارى، تابعي، ثقة، مهيب صارم، ورع عفيف، ولى قضاء المدينة في زمن عبد الملك بن مروان.
انظر: تهذيب التهذيب ٧/ ٤٤٢. وأخبار القضاة، لوكيع ١/ ١٣٠ - ١٣٣.
(٥٥) سقط من: الأصل. نقل نظر.
(٥٦) سقط من: الأصل.
(٥٧) في الأصل زيادة: "يعنى".

<<  <  ج: ص:  >  >>