للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتبَ إلى كِسرَى، وقَيصَرَ، والنَّجاشىِّ، ومُلوكِ الأطْرافِ، وكان يَكتُبُ إلى وُلاتِه، ويكتبُ لعُمَّالِه وسُعاتِه، وكان فى كِتابِه إلى قَيْصَرَ: "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، إلَى قَيْصَرَ عَظِيمِ الرُّومِ، أمَّا بَعْدُ، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرًا عَظِيمًا، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ، فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأرِيسِيِّينَ (٣)، و {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} (٤) ". ورَوَى الضَّحَّاكُ بنُ سُفيانَ، قال: كتبَ إلىَّ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَنْ وَرِّثِ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِىِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا" (٥). وأجمَعَتِ الأُمَّةُ على كتابِ القاضى إلى القاضى. ولأنَّ الحاجةَ إلى قَبُولِه داعيَةٌ، فإنَّ مَن له حقٌّ فى بلَدٍ غيرِ بلدِه، لا (٦) يُمْكِنُه إتْيانُه، والمُطالَبةُ به، إلَّا بكتابِ القاضى، فوَجبَ قَبولُه. إذا ثبَتَ هذا، فإنَّ كتابَ القاضى [إلى القاضى] (٧) يُقبلُ فى الأموالِ، وما يُقصدُ به المالُ، ولا يُقْبَلُ فى الحُدودِ، لِحَقِّ (٨) اللهِ تعالى. وهل يُقْبَلُ فيما عدا هذا؟ على وَجْهَيْن. وبهذا قال أصحابُ الرَّأْىِ. وقالَ أصْحابُ الشَّافعىِّ: يُقْبَلُ فى كلِّ حقٍّ لآدَمِىٍّ، مِن الجِراحِ وغيرِها، وهل يُقْبَلُ فى الحدودِ التى للهِ تعالى؟ على قَوْلَيْنِ. وتَمامُ الكلامِ فى هذا الفصلِ يُذْكَرُ فى الشَّهادةِ على الشَّهادةِ، إن شاءَ اللهُ تعالى. والكتابُ على ضَرْبَيْن، أحدُهما، أن يَكْتُبَ بما حَكمَ به، وذلك مثلُ أن يَحْكُمَ على رجلٍ بحقٍّ، فيَغيبَ (٩) قبلَ إيفائِه، أو يَدَّعِىَ حقًّا على غائبٍ، ويُقيمَ به بَيِّنَةً، ويسْألَ الحاكمَ الحكمَ عليه، فيَحْكُمَ عليه، ويسألَه أن يكتبَ له كتابًا


(٣) أى: إثم الفلاحين والزارعين، أى: إثم رعيته.
(٤) سورة آل عمران ٦٤.
والحديث أخرجه البخارى، فى: باب دعاء النبى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الاسلام ... ، من كتاب الجهاد والسير، وفى: باب: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا. . .}، فى تفسير سورة آل عمران، من كتاب التفسير. صحيح البخارى ٤/ ٥٣ - ٥٧، ٦/ ٤٢ - ٤٥. ومسلم، فى: باب كتاب النبى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، وباب كتب النبى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ملوك الكفار يدعوهم إلى اللَّه عز وجل. من كتاب الجهاد. صحيح مسلم ٣/ ١٣٩٣، ١٣٩٤، ١٣٩٧.
(٥) تقدم تخريجه، فى: ٩/ ١٨٥.
(٦) فى م: "ولا".
(٧) سقط من: م.
(٨) فى م: "كحق".
(٩) فى الأصل: "فيبعث".

<<  <  ج: ص:  >  >>