للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَحْمِلُه إلى قاضى البلدِ الذى فيه الغائبُ، فيكتبَ له إليه، أو تقومُ البَيِّنَةُ على حاضرٍ، فيهربَ قبلَ الحُكْمِ عليه، فيسألَ صاحبُ الحقِّ الحاكمَ الحُكمَ عليه، وأنْ يَكْتبَ له كِتابًا بحُكْمِه. ففى هذه الصُّوَرِ الثَّلاثِ، يَلْزَمُ الحاكمَ إجابتُه إلى الكتابةِ، ويَلزمُ المكتوبَ إليه قَبولُه، سَواءٌ كانت بينهما مَسافةٌ بَعيدةٌ أو قريبةٌ، حتى لو كانا فى جَانِبَىْ بلدٍ أو مجلسٍ، لزِمَه قَبولُه وإمْضاؤُه، سواءٌ كان حُكْمًا على حاضرٍ أو غائبٍ. لا نعلمُ فى هذا خلافًا؛ لأنَّ حُكْمَ الحاكِمِ يجبُ إمْضاؤُه على كلِّ حاكمٍ. الضَّرْبُ الثانى، أن يَكْتُبَ يُعْلِمُه (١٠) بِشَهادةِ شاهِدَيْنِ عندَه بحقٍّ لفلانٍ، مثل أن تقومَ البَيِّنَةُ عندَه بحقٍّ لرجلٍ على آخرَ، ولم يَحْكُمْ به، فيسألُه (١١) صاحبُ الحقِّ أن يَكْتُبَ له كتابًا بما حصَلَ عندَه، فإنَّه يَكْتُبُ له أيضًا. قال القاضى: ويكونُ فى كِتابِه: شَهِدَ عندى فلانٌ وفلانٌ بكذا وكذا. ليكونَ المكْتوبُ إليه هو الذى يَقْضِى به، ولا يَكْتُبُ: ثَبتَ عندى؛ لأنَّ قولَه: ثبتَ عندى. حُكْمٌ بشَهادتِهما، فهذا لا يَقْبَلُه المكتوبُ إليه، إلَّا فى المسافةِ البَعيدةِ، التى هى مَسافةُ القَصْرِ، ولا يَقْبَلُه (١٢) فيما دُونَها؛ لأنَّه نَقْلُ شهادةٍ (١٣)، فاعتُبِرَ فيه ما يُعْتَبرُ فى الشهادةِ على الشهادةِ. ونحوُ هذا قولُ الشَّافعىِّ. وقال أبو يوسفَ، ومحمدٌ: يجوزُ أن يَقْبلَه فى بلدِه. وحُكِىَ عن أبى حنيفةَ مِثلُ هذا. وقالَ بعضُ المتأخّرين مِن أصحابِه: الذى يَقْتَضِيه مذهبُه أنَّه لا يجوزُ، [كما لا يجوزُ] (١٤) ذلك فى الشهادةِ على الشهادةِ. واحتجَّ مَن أجازَه بأنَّه كتابُ الحاكمِ بما ثَبَتَ عندَه، فجازَ قَبولُه مع القُرْبِ، ككتابِه بحُكْمِه. ولَنا، أنَّ ذلك نَقْلُ الشهادةِ إلى المَكْتوبِ إليه (١٥)، فلم يَجُزْ مع القُرْبِ، كالشَّهادةِ على الشهادةِ، ويُفارِقُ كتابَه بالحُكْمِ؛ فإنَّ ذلك ليس بنَقْلٍ، وإنَّما هو خَبَرٌ، وكلُّ مَوْضعٍ يَلْزَمُه قَبولُ الكتابِ، فإنَّه يأخذُ المَحْكومَ عليه بالحقِّ الذى حكَمَ عليه به، فيَبْعَثُ إليه، فيَسْتَدعِيه، فإنِ اعْتَرفَ بالحقِّ، أمرَه


(١٠) فى ب، م: "بعلمه".
(١١) فى الأصل: "فسأله".
(١٢) فى الأصل: "يقبل".
(١٣) فى الأصل: "شهادته".
(١٤) سقط من: م. نقل نظر.
(١٥) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>