للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دِينٍ. ولأن الكَذِبَ دَناءَةٌ، والمُروءةُ تَمْنَعُ مِن (٢٢) الدناءَةِ. وإذا كانتِ المروءةُ مانعةً من الكَذِبِ، اعْتُبِرتْ فى العَدالةِ، كالدِّينِ، ومَن فعلَ شيئًا مِن هذا مُختَفِيًا به، لم يَمْنَعْ مِن قَبُولِ شهادتِه؛ لأنَّ مُروءتَه لا تَسْقُطُ به. وكذلك إن فعلَه مَرَّةً، أو شيئًا قليلًا، لم تُرَدَّ شهادتُه؛ لأنَّ صغيرَ الْمَعاصى لا يَمْنَعُ الشَّهادةَ إذا قَلَّ، فهذا أوْلَى، ولأنَّ المُروءةَ لا تَخْتَلُّ بقليلِ هذا، ما لم تَكُنْ عادةً (٢٣). النوع الثانى، فى الصِّناعاتِ الدَّنِيئَةِ؛ كالكَسَّاحِ والكَنَّاسِ، لا تُقبلُ شهادتُهما؛ لما رَوَى سعيدٌ، فى "سُنَنِه" أنَّ رجلًا أتى ابنَ عُمرَ، فقال له: إنِّى رجلٌ كنَّاسٌ. فقال: أىَّ شىءٍ تَكْنُسُ، الزِّبلَ؟ . قال: لا. قال: العَذِرَةَ؟ قال: نعم. [قال: منه كسَبْتَ المال، ومنه تزوَّجْتَ، ومنه حَجَجْتَ؟ قال: نعم] (٢٤). قال: الأجْرُ خبيثٌ، وما تزوَّجْتَ خَبِيثٌ، حتى تَخْرُجَ منه كما دخَلْتَ فيه. وعن ابنِ عبَّاسٍ مثلُه فى الكَسَّاحِ (٢٥). ولأنَّ هذا دَناءةٌ يَجْتنِبُه أهلُ المُروءاتِ، فأشْبَهَ الذى قبلَه. فأمَّا الزَّبَّالُ والْقَرَّادُ (٢٦) والحجَّامُ ونحوُهم، ففيه وَجْهان؛ أحدهما، لا تُقْبَلُ شهادتُهم؛ لأنَّه دناءةٌ يجْتَنِبُه أهلُ المُروءاتِ، فهو (٢٧) كالذى قبلَه. والثانى، تُقْبَلُ؛ لأنَّ بالناسِ إليه حاجةً. فعلى هذا الوَجْهِ، إنَّما تُقْبَلُ شهادتُه إذا كان يَتنظَّفُ للصَّلاةِ فى وَقْتِها ويُصَلِّيها، فإن صلَّى بالنَّجاسةِ، لم تُقْبَلْ شهادته، وَجْهًا واحدًا. وأمَّا الحائِكُ والحارسُ والدَّبَّاغُ، فهى أعلَى مِن هذه الصَّنائعِ، فلا تُرَدُّ بها الشهادةُ. وذكرَها أبو الخَطابِ فى جُملةِ ما فيه وَجْهان. وأمَّا سائرُ الصِّناعاتِ التى لا دَناءةَ فيها، فلا تُرَدُّ الشهادةُ بها، إلَّا مَن كان منهم يحْلِفُ كاذِبًا، أو يَعِدُ ويُخْلِفُ، وغَلبَ هذا عليه، فإنَّ شهادتَه تُرَدُّ. وكذلك مَن كان منهم يُؤخِّرُ الصَّلاةَ عن أوْقاتِها، أو لا يَتنزَّه عن النَّجاساتِ، فلا شهادةَ له، ومَن كانت صِناعتُه مُحَرَّمةً؛ كصانعِ المَزاميرِ والطَّنابِيرِ،


(٢٢) فى أ: "عن".
(٢٣) فى م: "عادته".
(٢٤) سقط من: أ. نقل نظر.
(٢٥) تقدم فى: ٨/ ١٣٢ وانظر: المحلى ٩/ ٣٠.
(٢٦) سقط من: الأصل، أ، ب. والقراد: سائس القرد. ولعل المقصود منتزع القراد من الدواب.
(٢٧) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>