للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخِيهِ فِى عَدَاوَةٍ، وَلَا الْقَانِعِ (١٣) لِأهْلِ الْبَيْتِ، وَلَا مُجَرَّبٍ عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ، وَلَا ظَنِينٍ فِى وَلَاءٍ، وَلَا قَرَابَةٍ" (١٤). وقد روَاه أبو داودَ (١٥)، وفيه: "لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ، وَلَا زَانٍ وَلَا زَانِيَةٍ، وَلَا ذِى غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ". فأمَّا الصَّغائرُ، فإن كان مُصِرًّا عليها، رُدَّتْ شهادتُه، وإن كانَ الغالبُ من (١٦) أمْرِه الطاعاتِ، لم يُرَدَّ؛ لما ذكرْنا من عَدَمِ إمْكانِ التَّحرُّزِ منه. فأمَّا المُروءةُ فاجْتِنابُ الأُمورِ الدَّنيئةِ المُزْرِيَةِ به، وذلك نَوْعانِ؛ أحدُهما، من الأفعالِ، كالأكْلِ فى السُّوقِ. يَعْنِى به الذى يَنصِبُ مائدةً فى السُّوقِ، ثم يأْكلُ والناسُ يَنْظرون. ولا يَعنى به (١٧) أَكلَ الشىءِ اليَسيرِ، كالكِسْرةِ ونحوِها. وإن كان يَكْشِفُ ما جَرَتِ العادةُ بتَغْطِيَتِه مِن بَدَنِه، أو يَمُدُّ رِجْلَيْه فى مَجْمَعِ النَّاسِ، أو يتَمَسْخرُ بما يُضْحِكُ الناسَ بِه، أو يُخاطِبُ امْرأتَه أو جارِيتَه أو غيرَهما بحَضْرةِ الناسِ بالخِطابِ الفاحِشِ، أو يُحَدِّثُ الناسَ بمُباضَعةِ (١٨) أهلِه، ونحوِ هذا مِن الأفعالِ الدَّنِيئَةِ، ففاعِلُ هذا لا تُقبَلُ شَهادتُه؛ لأنَّ هذا سُخْفٌ ودَناءَةٌ، فمَن رَضِيَه لنَفْسِه واستحسَنَه، فليستْ له مُروءةٌ، فلا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بقولِه. قال أحمدُ، فى رجلٍ شَتَمَ بَهيمَةً: قال الصَّالحونَ: لا تُقْبَلُ شهادتُه حتَّى يَتُوبَ. وقد رَوَى أبو مسعودٍ البَدْرِىُّ، قال: قال رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ مِمَّا أدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى، إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ" (١٩). يَعنى مَن لم يَستَحِ (٢٠) صَنَعَ ما شاءَ. ولأنَّ المُروءَةَ تَمْنَعُ الكَذِبَ، وتَزْجُرُ عنه، ولهذا يمْتَنِعُ منه ذو المُروءةِ وإن لم يَكُنْ ذا دِينٍ. وقد رُوىَ عن أبى سفيانَ، أنَّه حين سألَه قَيْصَرُ عن النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصِفَتِه قال: واللهِ لولا أنِّى كَرِهْتُ أن يُؤْثَرَ عنِّى الكَذِبُ، لَكَذَبْتُه (٢١). ولم يكنْ يومَئذٍ ذا


(١٣) فى النسخ: "القاطع". والقانع: هو الذى ينفق عليه أهل البيت.
(١٤) أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى من لا تجوز شهادته، من أبواب الشهادات. عارضة الأحوذى ٩/ ١٧١.
(١٥) فى الموضع السابق.
(١٦) فى ب: "فى".
(١٧) سقط من: الأصل، أ.
(١٨) فى أ: "بمباضعته".
(١٩) أخرجه البخارى، فى: باب حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، من كتاب الأنبياء. صحيح البخارى ٤/ ٢١٥. وأبو داود، فى: باب فى الحياء، من كتاب الأدب. سنن أبى داود ٢/ ٥٥٢. وابن ماجه، فى: باب الحياء، من كتاب الزهد ٢/ ١٤٠٠.
(٢٠) فى الأصل، أ: "يستحى". وهما بمعنى.
(٢١) انظر: ما تقدم فى تخريج حديث كتاب النبى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى قيصر، فى صفحة ٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>