للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إظْهارَ المعازِفِ والْمَلاهِى. وقال سعيدٌ (٥٩): ثنا فَرَجُ بنُ فَضَالَةَ، عن علىِّ بنِ يَزِيدَ، عن القَاسِمِ، عن أبى أُمامَةَ، قال: قالَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِى رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَأَمَرَنِى بِمَحْقِ الْمَعَازِفِ وَالْمَزَامِيرِ، لَا يَحلُّ بَيْعُهُنَّ وَلَا شِرَاؤُهُنَّ وَلَا تَعْلِيمُهُنَّ وَلَا التِّجَارَةُ فِيهِنَّ، وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ (٦٠). يعنى الضَّارباتِ. ورَوَى نافعٌ، قال: سمِعَ ابنُ عمرَ مِزْمارًا، قال: فوضَعَ إصْبعَيْهِ فى أُذُنَيْه، ونَأَى عن الطَّريقِ، وقال لى: يا نافعُ، هل تسْمَعُ شيئًا؟ قال: فقلتُ: لا. قال: فرفَعَ إصْبَعيْهِ من أُذُنَيْه، وقال: كنتُ مع النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسمِعَ مِثلَ هذا، فصنَعَ مِثلَ هذا. رواه الخَلَّالُ، فى "جامعِه" من طريقيْنِ، وروَاه أبو داودَ، فى "سُنَنِه" (٦١)، وقال: حديثٌ مُنْكَرٌ. وقد احْتَجَّ قومٌ (٦٢) بهذا الخبرِ على إباحةِ المِزْمارِ، وقالوا: لو كان حرامًا لَمَنعَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ابنَ عُمرَ من سَماعِه، وَمَنعَ ابنُ عُمرَ نافعًا من سَماعِه (٦٣)، ولأنْكرَ على الزَّامِرِ بها. قلْنا: أمَّا الأوَّلُ فلا يَصِحُّ؛ لأنَّ المُحرَّمَ اسْتماعُها دون سَماعِها، والاسْتِماع غيرُ السَّماعِ، ولهذا فرَّقَ الفُقهاءُ فى سُجودِ التِّلاوةِ بين السَّامعِ والمُستمِعِ، ولم يُوجِبُوا على مَن سمِعَ شيئًا (٦٤) مُحَرَّمًا سَدَّ أُذُنيْه, وقال اللَّهُ تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} (٦٥). ولم يَقلْ: سَدُّوا آذانَهم. والمُسْتمِعُ هو الذى يَقْصِدُ السَّماعَ، ولم يُوجَدْ هذا مِن ابنِ عمرَ، وإنَّما وُجدَ منه السَّماعُ، ولأنَّ بالنَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حاجةً إلى مَعْرِفةِ انْقطاعِ الصَّوْتِ عنه؛ لأَنَّه عدَلَ عن الطَّريقِ، وسدَّ أُذُنيْه، فلم يكُنْ ليَرْجِعَ إلى الطَّريقِ، ولا يَرفعَ إصْبَعَيْه عن أُذُنَيْه، حتى يَنْقطِعَ الصَّوْتُ عنه، فأُبِيحَ للحاجَةِ. وأمَّا الإِنْكارُ، فلعلَّه كان فى أوَّلِ الهِجرةِ، حين لم يكُنِ الإِنْكارُ واجبًا، أو قبلَ إمْكانِ الإِنْكارِ؛ لكَثْرَةِ الكُفَّارِ، وقلَّةِ أهلِ الإِسْلامِ. فإن قيلَ: فهذا الخَبرُ ضَعيفٌ. فإِنَّ أبا


(٥٩) فى أزيادة: "بن جبير".
(٦٠) أخرجه الإمام أحمد، فى: المسند ٥/ ٢٥٧، ٢٦٨.
(٦١) تقدم تخريجه، فى: ١٠/ ١٩٩.
(٦٢) سقط من: ب.
(٦٣) فى أ، ب، م: "استماعه".
(٦٤) سقط من: الأصل.
(٦٥) سورة القصص ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>