للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُوجِبًا له بها حقًّا ابْتداءً، بخِلافِ الشَّاهدِ للمَرِيضِ أو المجْروحِ بمالٍ، فإنَّه إنَّما يَجبُ للمَشْهودِ له، ثم يجوزُ أن يَنتقِلَ، ويجوزُ أن لا يَنْتَقِلَ، فلم يَمْنَعِ الشَّهادَةَ له، كالشَّهادةِ لِغَريمِه. فإن قيلَ: فقد أجَزْتُم شَهادةَ الغَريمِ لغَريمِه بالجَرْحِ قبلَ الانْدِمالِ، كما أجَزْتُم شهادتَه له بالمالِ (١٥)؟ . قُلْنا: إنَّما أجزْناها لأنَّ الدِّيَةَ لا تَجِبُ للشَّاهدِ ابْتداءً، إنَّما تَجبُ للقَتيلِ، أو لورثَتِه، ثم يَسْتَوْفِى الغَريمُ منها، فأشْبهَتِ الشَّهادةَ له (١٦) بالمالِ. وأمَّا الدَّافعُ عن نفسِه، فمِثلُ أن يَشْهدَ المشْهودُ عليه بجَرْحِ الشُّهودِ، أو تَشْهدَ عاقِلُة القاتلِ خَطأ بجَرْحِ الشُّهودِ الذين شَهِدُوا به، لما فيه من دَفْعِ الدِّيَةِ عن أنْفُسِهم. فإن كان الشَّاهدان بالجَرْحِ فقيرَيْنِ، احْتَمَلَ قَبولَ شهادتِهما؛ لأنَّهما لا يَحْمِلان شيئًا من الدِّيَةِ، واحْتَمَلَ أن لا تُقْبَلَ؛ لأَنَّه يُخافُ أن يُوسِرَا قبلَ الحَولِ. فيَحْمِلَا (١٧). وكذلك الخِلافُ فى البَعيدِ الذى لا يَحْمِلُ (١٨) لبُعْدِه، فإنَّه لا يَأْمنُ أن يَموتَ مَن هو أقْرَبُ منه قبلَ الحَوْلِ، فيَحْمِلَ. ولا تُقبَلُ شَهادةُ الضَّامِنِ للمَضْمونِ عنه (١٩) بقضاءِ الحقِّ، أو الإِبْراءِ منه. ولا شَهادةُ أحدِ الشَّفيعَيْنِ على الآخَرِ بإسْقاطِ شُفعَتِه؛ لأَنَّه يُوفِّرُ الحقَّ على نفسِه. ولا شَهادةُ بعض غُرَماءِ المُفْلسِ على بَعضِهم بإسْقاط دَيْنِه، أو اسْتِيفائِه. ولا بَعضِ مَن أوْصَى له بمالٍ على آخَرَ، بما يُبْطِلُ وَصِيَّتَه، إذا كانت وَصِيَّتُه تحْصُلُ بها مزاحَمتُه؛ إمَّا لضِيقِ الثُّلثِ عنهما، أو لكَوْنِ الوَصِيَّتيِن بمُعَيَّنٍ. فهذا وأشْباهُه لا تُقْبَلُ الشَّهادةُ فيه؛ لأنَّ الشَّاهدَ به مُتَّهَمٌ؛ لما يَحْصُلُ بشهادتِه مِن نَفْعِ نفسِه، ودفعِ الضَّررِ عنها، فيَكونُ شاهدًا لنَفسِه. وقد قال الزُّهْرىُّ: مَضَتِ السُّنَّةُ فى الإِسلامِ، أن لا تجوزَ شَهادةُ خَصْمٍ، ولا ظَنينٍ. والظَّنِينُ: المُتَّهَمُ. ورَوَى طَلْحَةُ بنُ عبدِ اللَّهِ بن عَوْفٍ، قال: قَضَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أن لا شَهادةَ لخَصْمٍ، ولا ظَنِينٍ (٢٠). وممَّن رَدَّ شَهادةَ الشَّريكِ لشريكِه شُرَيحٌ، والنَّخَعِىُّ،


(١٥) فى ب، م: "بماله".
(١٦) سقط من: ب، م.
(١٧) فى الأصل: "فيحتملان".
(١٨) فى الأصل: "يحتمل".
(١٩) سقط من: م.
(٢٠) أخرجه البيهقى، فى: باب لا تقبل شهادة خائن. . .، من كتاب الشهادات. السنن الكبرى ١٠/ ٢٠١. وعبد الرزاق، فى: باب لا يقبل متهم. . .، من كتاب الشهادات. المصنف ٨/ ٣٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>