للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"مَنْ كَان حَالِفًا، فَلْيحْلِفْ بِاللَّهِ، أَو ليَصْمُتْ" (٥). ولأنَّ هذا [إن لم يكُنْ] (٦) يَعْتَدُّ هذه يمينًا، فإنَّه يَزْدادُ بها إثْمًا وعُقوبةً، وربَّما عُجِّلَتْ عُقوبتُه، فيتَّعِظُ بذلك، ويَعْتَبِرُ به غيرُه. وهذا كلُّه ليس بَشْرطٍ فى اليَمِينِ، وإنَّما للحاكمِ فِعْلُه إذا رأَى. وممَّنْ قال: يَسْتحْلِفُ أهلَ الكِتابِ باللَّهِ وحْدَه. مَسْروق، وأبو عُبَيْدةَ بنُ عبدِ اللَّهِ (٧)، وعَطاءٌ، وشُرَيْحٌ، والحسنُ، وإبراهيمُ بنُ كعبِ بنُ سُورٍ، ومالكٌ، والثَّورىُّ، وأبو عُبَيْدٍ. وممَّن قال: لا يُشْرَعُ التَّغْليظُ بالزمانِ والمكانِ فى حقِّ مُسْلمٍ. أبو حنيفةَ وصاحِبَاه. وقال مالكٌ، والشافعىُّ: تُغَلَّظُ. ثم اخْتلَفا؛ فقال مالكٌ: يُحَلَّفُ فى المدينةِ على مِنْبَرِ رسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويُحلَّفُ قائمًا، ولا يُحَلَّفُ قائمًا إِلَّا على مِنْبَرِ رسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويُسْتَحْلَفون فى غيرِ المدينةِ فى مساجدِ الجماعاتِ، ولا يُحلَّفُ عندَ المِنْبرِ إِلَّا على ما يُقْطَعُ فيه السارقُ فصاعدًا، وهو ثلاثةُ دراهمَ. وقال الشافعىُّ: يُسْتَحْلَفُ المسلمُ بين الرُّكْنِ والمَقامِ بمكَّةَ، وفى المدينةِ عندَ مِنْبَرِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفى سائرِ البُلدانِ فى الجوامعِ عند المِنْبَرِ، وعندَ الصَّخْرةِ فى بيتِ المَقْدسِ، وتُغلَّظُ فى الزمانِ فى الاسْتحْلافِ بعدَ العَصْرِ، ولا تُغلَّظُ فى المالِ إِلَّا فى نِصابٍ فصاعِدًا، وتُغلَّظُ فى الطَّلاقِ والعَتاقِ والحَدِّ والقِصاصِ. وهذا اختيارُ أبى الخَطَّابِ. وقال ابنُ جَرِيرٍ: تُغلَّظُ فى القليلِ والكثيرِ. واحْتجُّوا بقولِ اللَّهِ تعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} (٨). قيل: أرادَ بعدَ العَصْرِ. ورُوِىَ عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِى هذَا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" (٩). فثَبتَ أنَّه يَتعلَّقُ بذلك تأكيدُ اليَمينِ. ورَوَى مالكٌ، قال: اختصمَ زيدُ بنُ


(٥) تقدم تخريجه، فى: ١١/ ٦.
(٦) سقط من: ب.
(٧) أبو عبيدة عامر بن عبد اللَّه بن مسعود الهذلى الكوفى، ويقال: اسمه كنيته، تابعى، ثقة، فقد ليلة دجيل، وكانت سنة إحدى وثمانين. وقيل: سنة اثنتين وثمانين. تهذيب الهذيب ٥/ ٧٥، ٧٦.
(٨) سورة المائدة ١٠٦.
(٩) أخرجه أبو داود، فى: باب ما جاء فى تعظيم اليمين عند منبر النبى -صلى اللَّه عليه وسلم-، من كتاب الأيمان. سنن أبى داود ٢/ ١٩٨. وابن ماجه، فى: باب اليمين عند مقاطع الحقوق، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٧٩. والإمام مالك، فى: باب ما جاء فى الحنث على منبر النبى -صلى اللَّه عليه وسلم-، من كتاب الأقضية. الموطأ ٢/ ٧٢٧. والإمام أحمد، فى: المسند ٢/ ٣٢٩، ٥١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>