للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجملةُ ذلك أَنَّ الشَّهادةَ الزُّورَ من أكبرِ الكبائرِ، قد نَهَى اللَّهُ تعالى عنها فى كتابِه، مع نَهْيِه عن الأوْثانِ، فقال تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (٢). ورُوِىَ عن خُرَيمِ بنِ فاتِكٍ، أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الإِشْرَاكَ بِاللَّهِ". ثلاثَ مراتٍ. ثم تَلَا قولَه تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}. روَاه أبو داودَ (٣). ورُوىَ هذا عن ابنِ مسعودٍ، من قَوْلِه. ورُوِىَ عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بَأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ ". قلْنا: بَلَى يا رسولَ اللَّهِ. قال: "الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ". وَكَانَ مُتَّكئًا فَجلسَ، فقال: "أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ". فما زالَ يُكرِّرُها حتى قُلْنا: لَيْتَه سَكَتَ. مُتَّفَقٌ عليه (٤). ورَوَى أبو حنيفةَ، عن مُحارِبِ بنِ دِثَارٍ، عن ابنِ عمرَ، عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "شَاهِدُ الزُّورِ، لَا تَزُولُ قَدَمَاهُ حَتَّى تَجِبَ لَهُ النَّارُ" (٥). فمتى ثَبَتَ عندَ الحاكمِ عن رجلٍ أنَّه شَهِدَ بزُورٍ عَمْدًا، عَزَّرَه، وشَهَّرَه. فى قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ. رُوِىَ ذلك عن عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه (٦). وبه يقولُ شُرَيْحٌ، والقاسمُ بنُ محمدٍ، وسالمُ بنُ عبدِ اللَّهِ، والأوْزاعىُّ، وابنُ أبى ليلَى، ومالكٌ، والشَّافعىُّ، وعبدُ الملك بن يَعْلَى (٧) قاضى البَصْرةِ. وقال أبو حنيفةَ: لا يُعَزَّرُ، ولا يُشَهَّرُ؛ لأنَّه قَولُ مُنْكَرٍ وزُورٍ، فلا يُعَزَّرُ به، كالظِّهارِ. ورَوَى عنه الطَّحاوِىُّ أنَّه يُشَهَّرُ. وأنْكرَه المتأخِّرُون. ولَنا، أنَّه قولٌ مُحَرَّمٌ يضُرُّ به الناسَ، فأَوْجَبَ العُقوبةَ على قائلِه، كالسَّبِّ والقَذْفِ، ويُخالِفُ الظِّهارَ من وَجْهَيْنِ؛ أحدهما، أنَّه يَخْتَصُّ بضرَرِه. والثانى، أنَّه أوْجبَ كفَّارةً شاقَّةً هى أشدُّ من التَّعْزِيرِ، ولأنَّه قولُ عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، ولم


(٢) سورة الحج ٣٠.
(٣) فى: باب فى شهادة الزور، من كتاب الأقضية. سنن أبى داود ٢/ ٢٧٤.
كما أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى شهادة الزور، من أبواب الشهادات. عارضة الأحوذى ٩/ ١٧٣، ١٧٤، ١٧٥. وابن ماجه، فى: باب شهادة الزور، من كتاب الأحكام. سنن ابن ما جه ٢/ ٧٩٤. والإمام أحمد، فى: المسند ٤/ ١٧٨، ٢٣٣، ٣٢١، ٣٢٢.
(٤) تقدم تخريجه، فى: صفحة ١٥١.
(٥) تقدم تخريجه، فى: صفحة ٥٢.
(٦) أخرجه وكيع، عن شريح، فى: أخبار القضاة ٢/ ٣٠٩.
(٧) عبد الملك بن يعلى الليثى، قاضى البصرة، روى عن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- مرسلا، توفى بعد المائة بسنوات. تهذيب التهذيب ٦/ ٤٢٩، ٤٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>