للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على نَفْسِه، ولا يَجِدُ مَنْ يُنْفِقُ عليه، كُرِهَتْ كِتابَتُه، وإن كان يَجِدُ مَنْ يَكْفِيه مُؤْنَتَه، لم تُكْرَهُ كتابَتُه؛ لحُصُولِ النَّفْعِ بالحُرِّيَّةِ من غيرِ ضَرَرٍ. فأمَّا جُوَيْرِيَةُ، فإنَّها كانت ذاتَ أهْلٍ (٢٣)، وكانت ابنةَ سَيِّدِ قَوْمِه، فإذا عَتَقَتْ رَجَعَتْ إلى أهْلِها، فأخْلَف اللَّهُ لها خيرًا من أهْلِها، فتزَوَّجَها رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وصارتْ إحْدَى أُمَّهاتِ المؤمنينَ، وأعْتَقَ الناسُ ما كان بأيْدِيهم من قَوْمِها، حينَ بَلَغَهم أَنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- تزَوَّجَها، وقالوا: أصْهارُ (٢٤) رَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فلم يُرَ امرأةٌ أعْظَمَ بَرَكةً على قَوْمِها منها. وأمَّا بَرِيرَةُ، فإن كِتابَتَها تَدُلُّ على إباحَةِ ذلك، وأنَّه ليس بمُنْكَرٍ (٢٥)، ولا خِلافَ فيه، وإنَّما الخِلافُ فى كَرَاهَتِه (٢٦). قال مَسْرُوقٌ: إذا سألَ العبدُ مَوْلاه الكِتابةَ (٢٧)؛ فإن كان له مَكْسَبةٌ، أو كان له مالٌ، فلْيُكاتِبْه، وإن لم يكُنْ له مالٌ ولا مَكْسَبةٌ، فَلْيُحْسِنْ مَلْكَتَه، ولا يُكَلِّفْهُ إِلَّا طاقَتَه.

فصل: ولا تَصِحُّ الكتابةُ إِلَّا ممَّن يَصِحُّ تَصَرُّفُه فأمَّا المجْنونُ والطِّفلُ، فلا تصِحُّ مُكاتَبَتُهما لرَقِيقِهِما، ولا مُكاتبةُ سَيِّدِهِما لهما، وأمَّا الصَّبِىُّ المُمَيِّزُ؛ فإن كاتَبَ عبدَه بإذْنِ وَلِيِّه (٢٨)، صَحَّ. ويَحْتَمِلُ أَنْ لا يَصِحَّ، بِناءً على قَوْلِنا: إنَّه لَا يَصِحُّ بَيْعُه بإذْنِ وَلِيِّه، ولأنَّ هذا عَقْدُ إعْتاقٍ، فلم يَصِحَّ منه، كالعِتْقِ (٢٩) بغيرِ مالٍ، فأمَّا إن لم يَأْذَنْ وَلِيُّه فيه، فلا يَصِحُّ بحالٍ، وإن كاتَبَ (٣٠) المُمَيِّزُ سَيِّدَه، صَحَّ. وبهذا قال أبو حنيفةَ. وقال الشَّافِعىُّ: لا يَصِحُّ فيهما جميعًا بحالٍ؛ لأَنَّه ليس بمكَلَّفٍ، فأشْبَهَ المجنونَ. ولَنا، أنَّه يَصِحُّ تصرُّفُه (٣١) وبَيْعُه بإذْنِ ولِيِّه، فصَحَّتْ منه الكتابةُ بذلك، كالمُكَلَّفِ، ودلِيلُ صِحّةِ تَصَرُّفِه قولُ اللَّهِ


(٢٣) فى ب، م زيادة: "ومال".
(٢٤) فى الأصل: "صاهر".
(٢٥) فى الأصل: "مكروه".
(٢٦) فى الأصل: "كراهيته".
(٢٧) فى أ، م: "المكاتبة".
(٢٨) فى الأصل: "وصيه".
(٢٩) فى ب: "كالمعتق".
(٣٠) فى م: "كان".
(٣١) فى ب زيادة: "فيه".

<<  <  ج: ص:  >  >>