للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} (٣٢). والابْتِلاءُ الاخْتِبارُله، بتَفْوِيضِ التصرُّفِ إليه، ليُعْلَمَ هل يَقَعُ منه على وَجْهِ المَصْلَحةِ أو لا؟ وهل يُغْبَنُ فى بَيْعِه وشِرائِه أو لا؟ وِإيجابُ السَّيِّدِ لعبدِه المُمَيِّزِ المُكاتَبةَ إذْنٌ له فى قَبُولِها. إذا ثَبَتَ هذا، فإنْ كان السَّيِّدُ المُكاتِبُ طِفْلًا أو مجنونًا، فلا لِتَصَرُّفِه ولا قَوْلِه. وإن كاتَبَ المُكَلَّفُ عَبْدَه الطِّفْلَ أو المجنونَ، لم يَثْبُتْ لهذا التَّصَرُّفِ حكمُ الكِتابةِ الصَّحِيحةِ ولا الفاسدةِ؛ لأَنَّه لا حُكْمَ لقَوْلِهما، ولكنْ إِنْ قال: إن أدَّيْتُما إلىَّ، فأنْتُما حُرَّانِ. فأدَّيَا، عَتَقَا (٣٣) بالصِّفَةِ لا بالكِتابةِ (٣٤)، وما فى أَيْدِيهما لسَيِّدِهما، وإن لم يَقُلْ ذلك، لم يَعْتِقَا. ذكره أبو بكرٍ. وقال القاضى: يَعْتِقان. وهو مذهبُ الشَّافِعىِّ؛ لأنَّ الكِتابةَ (٣٤) تتَضَمَّنُ معنى الصِّفَةِ، فيَحْصُلُ العِتْقُ ههُنا بالصّفَةِ المَحْضَةِ، كما لو قال: إن أدَّيْتَ إلىَّ، فأنتَ حُرٌّ. ولَنا، أنَّه ليس بصِفَةٍ صَرِيحًا ولا معنًى، وإنَّما هو عَقْدٌ باطِلٌ، فأشْبَهَ البَيْعَ الباطِلَ.

فصل: وإذا كاتبَ الذِّمِّىُّ عبدَه المسلمَ، صَحَّ؛ لأَنَّه عَقْدُ مُعاوَضةٍ، أو عِتْقٌ بصِفَةٍ، وكِلاهُما يَصِحُّ منه (٣٥). وإذا تَرافَعا إلى الحاكمِ بعدَ الكِتابةِ (٣٦)، نَظَرَ فى العَقْدِ؛ فإن كان مُوافِقًا للشَّرْعِ، أمْضاهُ، سَواءٌ تَرافَعا قبلَ إسْلامِهِما أو بعدَه، وإن كانتْ (٣٧) كتابةً فاسِدةً، مثل أن يكونَ العِوَضُ خَمْرًا، أو خِنْزِيرًا، أو غيرَ ذلك من أنْواعِ الفَسادِ، ففيه ثلاثُ مَسائِلَ؛ إحْداها، أن يكونَا قد تَقابَضا حالَ الكُفْرِ، فتكونَ الكِتابةُ (٣٦) ماضِيَةً، والعِتْقُ حاصلٌ؛ لأنَّ ما تَمَّ فى حالِ الكُفْرِ، لا يَنْقُضُه الحاكمُ، ويَحْكُمُ بالعِتْقِ، سَواءٌ ترَافَعا قبلَ الإِسْلامِ أو بعدَه. الثانية، تَقابضَا بعدَ الإِسلامِ، ثم تَرافَعا إلى الحاكمِ، فإنَّه يَعْتِقُ أيضًا؛ لأنَّ هذه كتابةٌ فاسِدةٌ، ويكونُ حكَمُها حكمَ الكتابةِ الفاسِدَةِ المَعْقودةِ فى الإِسْلامِ، على ما سنَذْكُره، إِنْ شاءَ اللَّهُ تعالى. الثالثة، ترافَعا قبل قَبْضِ العِوضِ الفاسِدِ، أو قَبْضِ بعضِه، فإِنَّ الحاكمَ يَرْفَعُ هذه الكِتابةَ، ويُبْطِلُها (٣٨)؛ لأنَّها كتابةٌ فاسِدةٌ، لم


(٣٢) سورة النساء ٦.
(٣٣) فى م: "عتق".
(٣٤) فى الأصل: "بالمكاتبة".
(٣٥) سقط من: الأصل.
(٣٦) فى الأصل: "المكاتبة".
(٣٧) فى ب، م: "كاتب".
(٣٨) فى ب، م: "ويبطل".

<<  <  ج: ص:  >  >>