للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسُّجودِ. وهذا مذهبُ أبي حنيفةَ. وقالَ مُجَاهِدٌ، ومالكٌ، والشافعيُّ، وابْنُ المُنْذرِ: يُصَلِّى قائمًا، برُكُوعٍ وسجودٍ؛ لقولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صَلِّ قائِمًا، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَجَالِسًا". رَوَاهُ البُخارىُّ (٣). ولأنه مُسْتَطِيعٌ للقيامِ من غيرِ ضَرَرٍ، فلم يَجُزْ تَرْكُه له كالقادرِ على السَّتْرِ. ولَنا، ما رَوَى الخَلَّالُ، بإسْنادِهِ عن ابنِ عمرَ، فِي قومٍ انْكَسَرَتْ بهم (٤) مراكِبُهُمْ، فخرجُوا عُرَاةً، قال: يُصَلُّونَ جُلُوسًا، يُومِئُونَ إيمَاءً برُءُوسِهِمْ. ولم يُنْقَلْ خلافُهُ، ولأنَّ السَّتْرَ آكَدُ مِن القيامِ بدلِيلِ أمرينِ: أحدُهُما، أنَّه يَسْقُطُ مع القُدْرَةِ بحَالٍ، والقيامُ يَسْقُطُ في النافِلَةِ. والثانى، أنَّ القِيَامَ يَخْتَصُّ الصَّلاةَ، والسَّتْرُ يَجِبُ فيها وفى غيرِها، فإذا لم يكنْ بُدٌّ مِن ترْكِ أحدِهما، فَتَرْكُ أخَفِّهِمَا أَوْلَى مِن تَرْكِ آكدِهما. [ولأنَّه إذا صلَّى قاعدًا أوْمأَ بالرُّكوعِ والسُّجودِ، فقد أتَى ببدَلٍ عن المتْروكِ، وإذا صلَّى قائمًا وركع وسجد، لم يأْتِ ببَدَلٍ عن السَّتْرِ] (٥). والحديثُ محمولٌ على حالٍ (٦) لا تَتَضَمَّنُ تَرْكَ السُّتْرَةِ. فإنْ قِيلَ: فالسَّتْرُ لَا يَحْصُلُ [كله، و] (٧) إنَّما يَحْصُلُ بعضُهُ، فلا يَفِى بتَرْكِ القيامِ. قُلنا: إن قُلْنَا العورةُ الفَرْجَانِ. فقد حصَلَ سَتْرُهما (٨). وإنْ قلنا: [إنَّهما بعض العورةِ، فهما] (٩) آكَدُها وُجُوبًا فِي السَّتْرِ، وأفْحشُها في النَّظَرِ، فكان سَتْرُهما أوْلَى.


(٣) في: باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب، من كتاب التقصير. صحيح البخاري ٢/ ٥٩، ٦٠. كما أخرجه أبو داود، في: باب في صلاة القاعد، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود ١/ ٢١٨. والترمذي، في: باب ما جاء أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى ٢/ ١٦٦. وابن ماجه، في: باب ما جاء في صلاة المريض، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه ١/ ٣٨٦. والإمام أحمد، في: المسند ٤/ ٤٢٦.
(٤) سقط من: م.
(٥) في م: "ولأنه إذا استتر أتى ببدل عن القيام والركوع والسجود، والستر لا بدل له".
(٦) في م: "حالة".
(٧) سقط من: م.
(٨) في م: "الستر".
(٩) في م: "العورة ما بين السرة والركبة فقد حصل ستر".

<<  <  ج: ص:  >  >>