للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روايتان؛ (٣) إحْدَاهما، يجوزُ كشْفُهما. وهو قولُ مالكٍ والشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ ابنَ عبَّاسٍ قال، في قولهِ تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (٤) قال: الوَجْهُ


= صلت وجميع رأسها مكشوف أن عليها الإِعادة. وقال أبو حنيفة: القدمان ليس من العورة؛ لأنهما يظهران غالبا، فهما كالوجه، وإن انكشف من المرأة أقل من ربع شعرها أو ربع فخذها أو ربع بطنها لم تبطل صلاتها. وقال مالك، والأوزاعى، والشافعي: جميع المرأة عورة إلا وجهها وكفيها، وما سوى ذلك يجب ستره في الصلاة؛ لأن ابن عباس قال في قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الوجه والكفين. ولأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى المحرمة عن لبس القفازين والنقاب. ولو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما، ولأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء، والكفين للأخذ والإعطاء. وقال بعض أصحابنا: المرأة كلها عورة؛ لأنه قد روى في حديث عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المرأة عورة". رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. ولكن رخص لها في كشف وجهها وكفيها؛ لما في تغطيته من المشقة، وأبيح النظر إليه لأجل الخطبة؛ لأنه مجمع المحاسن. وهذا قول أبي بكر الحارث بن هشام، قال: المرأة كلها عورة حتى ظفرها. والدليل على وجوب تغطية القدمين ما روت أم سلمة، قالت: قلت، يا رسول اللَّه، أتصلى المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار؟ قال: "نعم، إذا كان سابغا يغطى ظهور قدميها". رواه أبو داود، وقال: وقفه جماعة على أم سلمة، ووقفه عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن دينار. وروى ابن عمر، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا ينظر اللَّه إلى من جر ذيله خيلاء". فقالت أم سلمة: كيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: "يرخين شبرا". فقالت: إذن تنكشف أقدامهن. قال: "فيرخينه ذراعا، لا يزدن عليه". رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وهذا يدل على وجوب تغطية القدمين، ولأنه محل لا يجب كشفه في الإحرام؛ فلم يجب كشفه في الصلاة، كالساقين. وما ذكروه من تقدير البطلان بزيادة على ربع العضو فتحكُّم لا دليل عليه، والتقدير لا يصار إليه بمجرد الرأى، وقد ثبت وجوب تغطية الرأس بقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يقبل اللَّه صلاة حائض إلا بخمار" أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن. وبالإِجماع على ما قدمناه. فأما الكفان فقد ذكرنا فيهما روايتين: إحداهما، لا يجب سترهما؛ لما ذكرنا. والثانية، يجب، لقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المرأة عورة". وهذا عام إلا ما خصه الدليل. وقول ابن عباس: الوجه والكفان. قد روى أبو حفص عن عبد اللَّه بن مسعود خلافه، قال: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}. قال: الثياب. ولا يجب كشف الكفين في الإحرام، إنما يحرم أن تلبس فيهما شيئا مصنوعا على قدرهما، كما يحرم على الرجل لبس السراويل، والذي يستر به عورته".
وحديث أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى المحرمة من لبس القفازين والنقاب، أخرجه أبو داود، في: باب ما يلبس المحرم، من كتاب المناسك. سنن أبي داود ١/ ٤٢٤. والترمذي، في: باب ما جاء فيما يجوز للمحرم لبسه، من أبواب الحج. عارضة الأحوذى ٤/ ٥٥. والنسائي، في: باب النهى عن أن تنتقب المرأة الحرام، وباب النهى عن أن تلبس المحرمة القفازين، من كتاب المناسك. المجتبى ٥/ ١٠١، ١٠٢، ١٠٤. والإِمام مالك، في: باب تخمير المحرم وجهه، من كتاب الحج. الموطأ ١/ ٣٢٨. والإِمام أحمد، في: المسند ٢/ ٢٢، ٣٢، ١١٩.
(٣) من هنا رواية الأصل إلى نهاية الفصل.
(٤) سورة النور ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>