للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكفَّيْن. ولأنه يحرُم على المُحْرِمةِ سَتْرُهما بالقُفَّازَيْن، كما يحرُم عليها سَتْرُ وجهِها بالنِّقاب، فلم يكونا من العَوْرةِ، كالوَجْه، ولأنَّ العادةَ ظُهورُهما وكشْفُهما، والحاجةُ تدعُو إلى كشْفِهما للأخْذِ والعطاء، كما تدعَو إلى كشْفِ الوجهِ، للبَيْع والشِّراء، فلم يحْرُم كشْفُهما في الصلاةِ، كالوجْهِ. والثانية، هما من العَوْرة، ويجبُ سترُهما في الصلاة. وهذا قَوْلُ الخِرَقِىِّ، ونحوَه قال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (٥)، فإنَّه قال: المرأةُ كلُّها عَوْرةٌ حتى ظُفْرُها؛ لأنَّه رُوِىَ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ". روَاه التِّرمِذِىّ (٦)، وقال: حديثٌ حسَن صَحيحٌ. وهذا عامٌّ يقْتضى وُجوبَ سَتْرِ جميع بَدَنِها [و] تَرْكُ الوَجْهِ للحاجةِ، ففيما عَداه يَبْقَى على الدَّليلِ. وقولُ ابنِ عبَّاسٍ قد خالَفَه ابنُ مسعود، فإنَّه قال في قولهِ سبحانه: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}. قال: الثِّياب. وظُهورُ ما لم تَجْرِ العادةُ به كظُهورِ الوَجْهِ، ولأنَّ الحاجةَ إلى كشْفِهما كالحاجةِ إلى كشْفه، فلا يصحُّ قياسُهما عليه، ثم يبْطُل ما ذكَرُوه بالقدَمَيْن، فإنَّهما يظْهران عادةً، كَظُهورِ الكفَّيْن، وسَتْرُهما واجبٌ، وهما أشْبَهُ بهما من الوَجْهِ، فإلْحاقُهما بهما أوْلَى، وأمَّا سائرُ بَدَنِ المرأةِ الحُرَّةِ فيجبُ سَتْرُه في الصلاةِ، وإن انْكشَف عنه شيءٌ، لم تَصِحَّ صلاتُها، إلَّا أن يكونَ يسيرًا. وبهذا قال مالك، والأوْزاعِىُّ، والشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: القَدَمان ليس من العَوْرةِ؛ لأنَّهما يظْهران غالبًا، فهما كالكفَّيْن، ولأنَّهما يُغْسلان في الوضوء، فلم يكونا من العَوْرة، كالوَجْه والكفَّيْن. وإن انكَشَف مِن المرأةِ أقلُّ مِن رُبْع شَعْرِها أو رُبْع فَخِذِها


(٥) أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومى، من فقهاء التابعين بالمدينة، وأحد الفقهاء السبعة، وكان يقال له: راهب قريش، توفى سنة أربع وتسعين. طبقات الفقهاء، للشيرازي ٥٩، تهذيب التهذيب ١٢/ ٣٠ - ٣٢.
(٦) في: باب حدثنا محمد بن بشار، من أبواب الرضاع. عارضة الأحوذى ٥/ ١٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>