للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحْكامِ الكلامِ. وقال القاضي في مَن تَثَاءَبَ، فقال آه آه: تَفْسُدُ صَلَاتُه. وهذا مَحْمُولٌ على من فَعَل ذلك غيرَ مَغْلُوبٍ عليه؛ لِما ذَكَرْنا من فِعْلِ أحمدَ خِلافَه. النَّوْعُ الثانِى، أن ينامَ فَيَتَكَلَّم، فقد توَقَّفَ أحمدُ عن الجَوَابِ فيه. ويَنْبَغِى أن لا تَبْطُلَ صَلَاتُه؛ لأنَّ القَلَمَ مَرْفُوعٌ عنه. ولا حُكْمَ لِكَلَامِه، فإنَّه لو طَلَّقَ أو أَقَرَّ أو أعْتَقَ، لم يَلْزَمْه حُكْمُ ذلك. النَّوْعُ الثَّالِثُ، أن يُكْرَهَ على الكَلَامِ، فيَحْتَمِلُ أن يُخَرَّجَ على كَلَامِ النَّاسِى؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- جَمَع بينهما في العَفْوِ، بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عُفِىَ لأُمَّتِى عن الخَطَإِ، والنِّسْيَانِ، وما اسْتُكْرِهُوا عليه" (١٤). وقال القاضي؛ هذا أوْلَى بالعَفْوِ، وصَحَّت الصَّلَاةُ؛ لأنَّ الفِعْلَ غيرُ مَنْسُوبٍ إليه، ولهذا لو أُكْرِهَ على إتْلَافِ مالٍ لم يَضْمَنْه، ولو أتْلَفَه ناسِيًا ضَمِنَه. والصَّحِيحُ، إن شاءَ اللهُ، أنَّ هذا تَفْسُدُ صَلَاتُه؛ لأنَّه أتَى بما يُفْسِدُ الصَّلاةَ عَمْدًا، فأشْبَهَ ما لو أُكْرِهَ على صَلَاةِ الفَجْرِ أرْبَعًا، أو على أن يَرْكَعَ في كلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَيْنِ. ولا يَصِحُّ قِيَاسُه على النَّاسِى لِوَجْهَيْنِ: أحَدُهما، أنَّ النِّسْيَانَ يَكْثُرُ، ولا يُمْكِنُ التَّحَرُّز منه، بِخِلَافِ الإِكْرَاهِ. والثَّانِى، أنَّه لو نَسِىَ فَزَادَ في الصَّلَاةِ، أو نَسِىَ من (١٥) كلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةً، لم تَفْسُدْ صَلَاتُه، ولم يَثْبُتْ مثلُ هذا في الإِكْرَاهِ. القِسْمُ الرَّابِعُ، أن يَتَكَلَّمَ بكَلَامٍ واجِبٍ، مثلَ أن يَخْشَى على صَبِىٍّ أو ضَرِيرٍ الوُقُوعَ في هَلَكَةٍ، أو يَرَى حَيَّةً ونَحْوَها تَقْصِدُ غافِلًا أو نَائِمًا، أو يَرَى نَارًا يخافُ أن تَشْتَعِلَ في شيءٍ، ونحو هذا، ولا يُمْكِنُ التَّنْبِيهُ بالتَّسْبِيحِ. فقال أصْحَابُنا: تَبْطُلُ الصَّلاةُ بهذا. وهو قولُ بعضِ (١٦) أصْحابِ الشَّافِعِىِّ؛ لما ذَكَرْنا في كَلَامِ المُكْرَهِ. ويَحْتمِلُ أن لا تَبْطُلَ الصَّلاةُ به. وهو ظاهِرُ قَوْلِ أحمدَ، رحِمَه اللهُ؛ فإنَّه قال في قِصَّةِ (١٧) ذِى


(١٤) تقدم في ١/ ١٤٦.
(١٥) في أ، م: "في".
(١٦) سقط من: الأصل.
(١٧) في الأصل: "قضية".

<<  <  ج: ص:  >  >>