للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأحادِيثِ مهما أمْكَنَ أوْلَى من حَمْلِهَا على التَّعارُضِ. الوجه الثاني في الجَوَابِ، أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أمَرَ أصْحابَهُ بِالانتِقالِ إلى المُتْعَةِ عن الإفْرَادِ والقِرَانِ، ولا يَأْمُرُهم إلَّا بِالانتِقَالِ إلى الأفْضَلِ، فإنَّه من المُحالِ أن يَنْقُلَهم من الأفْضَلِ إلى الأدْنَى، وهو الدَّاعِى إلى الخَيْرِ، الهَادِى إلى الفَضْلِ، ثم أكَّدَ ذلك بِتَأسُّفِه على فَوَاتِ ذلك في حَقِّهِ، وأنَّه لا يَقْدِرُ على انْتِقَالِه وحِلِّه، لِسَوْقِه الهَدْىَ، وهذا ظَاهِرُ الدَّلالَةِ. الثالث، أنَّ ما ذَكَرْنَاهُ قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهم يَحْتَجُّونَ بِفِعْلِه، وعندَ التَّعَارُضِ يَجِبُ تَقْدِيمُ القَوْلِ، لِاحْتِمَالِ اخْتِصَاصِه بِفِعْلِه دُونَ غيرِه، كَنَهْيِه عن الوِصالِ مع فِعْلِه له، ونِكاحِه بغيرِ وَلِيٍّ ولا شُهُودٍ، مع قَوْلِه: "لَا نِكَاحَ إلَّا بوَلِيٍّ" (٢٤). فإنْ قِيلَ: فقد قال أبُو ذَرٍّ: كانت مُتْعَةُ الحَجِّ لأصْحَابِ مُحمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاصَّةً. رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٢٥). قُلْنا: هذا قَوْلُ صَحَابِيٍّ، يُخَالِفُ الكِتابَ والسُّنَّةَ والإجْماعَ وقولَ مَن هو خَيْرٌ منه وأعْلَم؛ أمَّا الكِتَابُ فقَوْلُه تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} (٢٦) وهذا عَامٌّ. وأجْمَعَ المُسْلِمُونَ على إباحَةِ التَّمَتُّعِ في جَمِيعِ الأعْصَارِ، وإنَّما اخْتَلَفُوا في فَضْلِه، وأما السُّنَّةُ [فما روَى] (٢٧) سَعِيدٌ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، أنْبَأنا حَجَّاجٌ، عن عَطاءٍ، عن جابِرٍ، أن سُرَاقَةَ بن مالِكٍ سأل النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، المُتْعَةُ لنا


(٢٤) ذكره البخاري في الترجمة، في: باب من قال لا نكاح إلا بولى، من كتاب النكاح. صحيح البخاري ٧/ ١٩. وأخرجه أبو داود، في: باب الولى، من كتاب النكاح. سنن أبي داود ١/ ٤٨١. والترمذي، في: باب ما جاء لا نكاح إلَّا بولى، وباب ما جاء في استئمار البكر والثيب، من أبواب النكاح. عارضة الأحوذي ٥/ ٢٦. وابن ماجه، في: باب لا نكاح إلا بولى، من كتاب النكاح. سنن ابن ماجه ١/ ٦٠٥. والدارمي، في: باب النهى عن النكاح بغير ولى، من كتاب النكاح. سنن الدارمي ٢/ ١٣٧. والإمام أحمد، في: المسند ١/ ٢٥٠، ٤/ ٣٩٤، ٤١٣، ٤١٨، ٦/ ٢٦٠.
(٢٥) في: باب جواز التمتع، من كتاب الحج. صحيح مسلم ٢/ ٨٩٧.
كما أخرجه النسائي، في: باب إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدى، من كتاب المناسك. المجتبى ٥/ ١٤٠، ١٤١. وابن ماجه، في: باب من قال كان فسخ الحج لهم خاصة، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه ٢/ ٩٩٤. والإمام أحمد، في: المسند ٣/ ٤٦٩.
(٢٦) سورة البقرة ١٩٦.
(٢٧) في أ، ب، م: "فروى".

<<  <  ج: ص:  >  >>