للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُقِرُّ لِرَجُلٍ لِيَعْفُوَ عنه، ويَسْتَحِقَّ أخْذَه، فيَتَخَلَّصُ بذلك من سَيِّدِه. واخْتَارَ أبو الخَطَّابِ أنَّه يَصِحُّ إقْرَارُه به. وهو قولُ أبى حنيفةَ، ومالِكٍ، والشّافِعِىِّ؛ لأنَّه أحَدُ نَوْعَىِ القِصاصِ، فصَحَّ إقْرَارُه به، كما دُونَ النَّفْسِ. وبهذا الأَصْلِ يَنْتَقِضُ دَلِيلُ الأَوَّلِ. ويَنْبَغِى على هذا القَوْلِ أن لا يَصِحَّ عَفْوُ وَلِىِّ الجِنَايةِ على مالٍ إلَّا باخْتِيَارِ سَيِّدِه، لئلَّا يُفْضِىَ إلى إِيجَابِ المالِ على سَيِّدِه بإقْرَارِ غيرِه، فلا يُقْبَلُ إقْرَارُ العَبْدِ بجِنايَةِ الخَطَإِ، ولا شِبْهِ العَمْدِ، ولا بِجِنَايَةِ عَمْدٍ مُوجِبُها المالُ، كالجائِفَةِ والمَأْمُومَةِ (١٣)، لأنَّه إِيجَابُ حَقٍّ في رَقَبَتِه، وذلك يَتَعَلَّقُ بحَقِّ المَوْلَى. ويُقْبَلُ إقْرَارُ المَولى عليه؛ [لأنَّه إيجَابُ حَقًّ في مالِه. وإن أقَرَّ بِسَرِقَةٍ مُوجِبُها المالُ، لم يُقْبَلْ إقْرَارُه، ويُقْبَلُ إقْرَارُ المَوْلَى عليه] (١٤)؛ لما ذَكَرْنَا. وإن كان مُوجِبُها القَطْعُ والمالُ، فأقَرَّ بها العَبْدُ، وَجَبَ قَطْعُه، ولم يَجِب المالُ، سواءٌ كان ما أقَرَّ بِسَرِقَتِه باقِيًا، أو تَالِفًا في يَدِ السَّيِّدِ أو يَدِ العَبْدِ. قال أحمدُ، في عَبْدٍ أقَرَّ بِسَرِقَةِ دَرَاهِمَ في يَدِه أنَّه سَرَقَها من رَجُلٍ، والرَّجُلُ يَدَّعِى ذلك، وسَيِّدُه يُكَذِّبُه: فالدَّرَاهِمُ لِسَيِّدِه، ويُقْطَعُ العَبْدُ، ويُتْبَعُ بذلك بعد العِتْقِ. وللشّافِعِىِّ في وُجُوبِ المالِ في هذه الصُّورَةِ وَجْهَانِ. ويَحْتَمِلُ أن لا يَجِبَ القَطْعُ؛ لأنَّ ذلك شُبْهَةٌ، فيُدْرَأَ بها القَطْعُ، لكَوْنِه حَدًّا يُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ. وهذا قولُ أبى حنيفةَ؛ وذلك لأنَّ العَيْنَ التي يُقِرُّ بِسَرِقَتِها لم يَثْبُتْ حُكْمُ السَّرِقَةِ فيها، فلا يَثْبُتُ حُكْمُ القَطْعِ بها. وإن أقَرَّ العَبْدُ بِرِقِّه لغيرِ مَن هو في يَدِه، لم يُقْبَلْ إقْرَارُه بالرِّقِّ (١٥)؛ لأنَّ الإِقْرَارَ (١٦) بالرِّقِّ إقْرَارٌ بالمِلْكِ، والعَبْدُ لا يُقْبَلُ إِقْرَارُه بحالٍ، ولأنَّنا لو قَبِلْنَا إقْرَارَه، أضْرَرْنَا بِسَيِّدِه، لأنَّه إذا شَاءَ أقَرَّ لغيرِ سَيِّدِه، فأَبْطَلَ مِلْكَه. وإن أقَرَّ به السَّيِّدُ لِرَجُلٍ، وأقَرَّ هو لآخَرَ، فهو للذى أقَرَّ له السَّيِّدُ؛ لأنَّه في يَدِ السَّيِّدِ، لا في يَدِ نَفْسِه، ولأنَّ السَّيِّدَ لو أقَرَّ به مُنْفَرِدًا قُبِلَ. ولو أقَرَّ العَبْدُ مُنْفَرِدًا لم


(١٣) الجائفة: طعنة تبلغ الجرف. والمأمومة: الشجة بلغت أم الرأس.
(١٤) سقط من: ب.
(١٥) سقط من: أ، ب.
(١٦) في أ، ب: "إقراره".

<<  <  ج: ص:  >  >>