للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَكْرُوهِ، فقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَوْلَا الْأَيْمانُ لَكَانَ لِى وَلَهَا شَأْنٌ" (٢٩). فقد حَكَمَ به النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- للذى أشْبَهَهُ منهما. وقوله: "لَوْلَا الْأَيْمانُ لَكَانَ لِى وَلَهَا شَأْنٌ". يَدُلُّ على أنَّه لم يَمْنَعْهُ من العَمَلِ بالشَّبَهِ إلَّا الأَيْمانُ، فإذا انْتَفَى المانِعُ يَجِبُ العَمَلُ به لِوُجُودِ مُقْتَضِيه. وكذلك قولُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في ابْنِ أمَةِ زَمْعَةَ، حين رَأَى به شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ بن أبِى وَقَّاصٍ: "احْتَجِبِى مِنْهُ يَا سَوْدَةُ" (٣٠). فعَمِلَ بالشَّبَه في حَجْبِ سَوْدَةَ عنه. فإن قيل: فالحَدِيثَانِ حُجَّةٌ عليكم، إذ لم يَحْكُمِ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالشَّبَهِ فيهما، بل ألْحَقَ الوَلَدَ بِزَمْعَةَ، وقال لعبدِ بن زَمْعَةَ: "هُوَ لَكَ يا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، ولِلْعَاهِرِ الحَجَرُ". ولم يَعْمَلْ بشَبَهِ وَلَدِ المُلَاعِنةِ في إقَامةِ الحَدِّ عليها، لِشَبَهِهِ بالمَقْذُوفِ. قُلْنا: إنَّما لم يَعْمَلْ به في ابنِ أَمَةِ (٣١) زَمعةَ؛ لأنَّ الفِرَاشَ أقْوَى، وتَرْكُ العَمَلِ بالبَيِّنةِ لِمُعارَضَةِ ما هو أقْوَى منها (٣٢)، لا يُوجِبُ الإِعْراضَ عنها (٣٣) إذا خَلَتْ عن المُعارِضِ (٣٤). وكذلك تَرَكَ إقَامَةَ الحَدِّ عليها من أجْلِ أَيْمانِها، بِدَلِيلِ قوله: "لَوْلَا الْأَيْمانُ لَكَانَ لِى وَلَهَا شَأْنٌ". على أنَّ ضَعْفَ الشَّبَه عن إقَامةِ الحَدِّ لا يُوجِبُ ضَعْفَه


(٢٩) حديث هلال بن أمية أخرجه البخاري، في: باب إذا ادعى أو قذف فله أن يلتمس البينة. . ., من كتاب الشهادات، وفى: باب ويدرأ عنها العذاب. . ., من كتاب التفسير، وفى: باب يبدأ الرجل بالتلاعن، وباب التلاعن في المسجد، وباب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: لو كنت راجما بغير بينة، وباب قول الإِمام: اللهم بيِّن، من كتاب الطلاق. صحيح البخاري ٣/ ٢٣٣، ٦/ ١٢٦، ٧/ ٦٩ - ٧٢. ومسلم، في: كتاب اللعان. صحيح مسلم ٢/ ١١٣٤. وأبو داود، في: باب في اللعان، من كتاب الطلاق. سنن أبي داود ١/ ٥٢١ - ٥٢٥. والترمذي، في: باب تفسير سورة النور، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذى ١/ ٤٥، ٤٦. والنسائي، في: باب اللعان في قذف الرجل زوجته برجل بعينه، وباب كيف اللعان، من كتاب الطلاق. المجتبى ٦/ ١٤٠، ١٤١. وابن ماجه، في: باب اللعان، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجه ١/ ٦٦٨. والإِمام أحمد، في: المسند ١/ ٢٣٨، ٢٣٩، ٣/ ١٤٢.
(٣٠) تقدم تخريجه في: ٧/ ٣١٦.
(٣١) سقط من: م.
(٣٢) في م: "منه".
(٣٣) في م: "عنه".
(٣٤) في الأصل: "المعارضة".

<<  <  ج: ص:  >  >>