للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيها دِقَّةٌ، فأمَّا عُمُدُ الخِيامِ فكبيرةٌ، تَقْتُلُ غالبًا، فلم يُرِدْها الْخِرَقِيُّ، وإنما حَدَّ المُوجِبَ للقِصاصِ بما (٢٠) فَوْقَ عَمُودِ الفُسْطاطِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لمَّا سُئِلَ عن المرأةِ التي ضَرَبَتْ جارِيَتَها بعَمُودِ فُسْطاطٍ فقَتَلَتْها وجَنِينَها، قَضَى النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ، وقَضَى بالدِّيَةِ على عاقِلَتِها (٢١). والعاقِلةُ لا تَحْمِلُ العَمْدَ، فدَلَّ على أنَّ القَتْلَ بعَمُودِ الفُسْطاطِ ليس بعَمْدٍ. وإن كان أعْظَمَ منه، فهو عَمْدٌ؛ لأنَّه يَقْتُلُ غالبًا. ومن هذا النَّوعِ أن يُلْقِىَ عليه حائطًا، أو صخرةً، أو خشبةً عظيمةً، أو ما أشْبَهَ ممَّا يُهْلِكُه غالبًا، فيُهلِكَه، ففيه القَوَدُ؛ لأنَّه يَقْتُلُ غالبًا. النَّوع الثاني، أن يَضْرِبَه بمُثَقَّلٍ صغيرٍ، كالعَصَا، والسَّوْطِ (٢٢)، والحجَرِ الصغيرِ، أو يَلْكُزَه بيَدَيْه في مَقْتَلٍ، أو في حالِ ضَعْفٍ من المَضْرُوبِ؛ لمَرَضٍ أو صِغَرٍ، أو في زَمَنٍ مُفْرِطِ الْحَرِّ أو البَرْدِ، بحيث تَقْتُلُه تلك الضَّرْبةُ، أو كَرّرَ الضربَ حتى قتَلَه بما يَقْتُلُ غالبًا، ففيه القَوَدُ؛ لأنَّه قَتَلَه بما يَقْتُلُ مثلُه غالبًا، فأشْبَهَ الضَّرْبَ بمُثَقَّلٍ كبيرٍ. ومن هذا النَّوعِ، لو عَصَرَ خُصْيَتَه عَصْرًا شديدًا، فقَتلَه بعَصْرٍ يَقْتُلُ مثلُه غالبًا، فعليه القَوَدُ. وإن لم يكُن كذلك في جميعِ ما ذكرناه، فهو عَمْدُ الخطَإِ، وفيه الدِّيَةُ، إلَّا أن يَصْغُرَ جدًّا، كالضَّرْبةِ بالقَلَمِ والإِصْبَعِ في غيرِ مَقْتَلٍ، ونحوِ هذا ممَّا لا يُتَوَهَّمُ القَتْلُ به، فلا قَوَدَ فيه، ولا دِيَةَ؛ لأنَّه لم يَمُتْ به. وكذلك إن مَسَّهُ بالكبيرِ، ولم يَضْرِبْه به؛ لأن الدِّيةَ إنما تَجِبُ بالقَتْلِ، وليس هذا بقَتْلٍ.

النَّوع الثالث، أن يَمْنَعَ خُرُوجَ نَفَسِه، وهو ضَرْبانِ؛ أحَدُهما، أن يَجْعَلَ في عُنُقِه خِرَاطةً (٢٣)، ثم يُعَلِّقَه في خَشَبةٍ أو شيءٍ، بحيثُ يرْتَفِعُ عن الأرضِ، فيَخْتَنِقُ


(٢٠) في م: "مما".
(٢١) أخرجه مسلم، في: باب دية الجنين. . ., من كتاب القسامة. صحيح مسلم ٣/ ١٣١٠، ١٣١١، وأبو داود، في: باب دية الجنين، من كتاب الديات. سنن أبي داود ٢/ ٤٩٨. والترمذي، في: باب ما جاء في دية الجنين، من أبواب الديات. عارضة الأحوذي ٦/ ١٨٠. والنسائي، في: باب صفة شبه العمد، من كتاب القسامة. المجتبى ٨/ ٤٤. والدارمي، في: باب في دية الجنين، من كتاب الديات. سنن الدارمي ٢/ ١٩٦. والإِمام أحمد، في: المسند ٤/ ٢٤٥، ٢٤٦، ٢٤٩.
(٢٢) سقط من: الأصل، ب.
(٢٣) الخراطة: ما يعرف اليوم بالمشنقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>