للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويمُوتُ، فهذا عَمْدٌ، سواءٌ مات في الحالِ، أو بَقِيَ زَمَنًا؛ لأنَّ هذا أَوْحَى (٢٤) أنْواعِ الخَنْقِ، وهو الذي جَرَتِ العادةُ بفِعْلِه من الوُلاةِ في اللُّصُوصِ وأشْباهِهِم من المُفْسِدِينَ. والضَّرْبُ الثانِي، أن يَخْنُقَه وهو علَى الأرْضِ بيَدَيْه، أو مِنْدِيلٍ، أو حَبْلٍ، أو يَغُمَّه بوِسَادةٍ، أو شيءٍ يَضَعُه على فِيهِ وأنْفِه، أو يَضَعَ يَدَيْه عليهما فيَمُوتَ، فهذا إن فَعَلَ به ذلك مُدَّةً يَمُوتُ في مِثْلِها غالِبًا فمات، فهو عَمْدٌ فيه القِصاصُ. وبه قال عمرُ بن عبد العزيزِ، والنَّخَعِيُّ، والشافعيُّ. وإن فَعَلَه في (٢٥) مُدَّةٍ لا يموتُ في مثلِها غالبًا فمات، فهو عَمْدُ الخَطَإِ، إلَّا أن يكونَ ذلك يَسِيرًا في العادةِ (٢٦)، بحيثُ لا يُتَوَهَّمُ الموتُ منه، فلا يُوجِبُ ضمانًا؛ لأنَّه بمَنْزِلةِ لَمْسِه. وإن خَنَقَه، وترَكه مُتأَلِّمًا (٢٧) حتى مات، ففيه القَوَدُ؛ لأنَّه مات من سِرَايةِ جِنايَتِه، فهو كالمَيِّتِ من سِرَايةِ الجُرْحِ، وإن تَنَفّسَ وصَحَّ، ثم مات، فلا قَوَدَ؛ لأنَّ الظَّاهرَ أنَّه لم يَمُتْ منه، فأشْبَهَ ما لو انْدَمَلَ الجُرْحُ ثم مات.

النَّوع الرابع، أن يُلْقِيَه في مَهْلَكةٍ، وذلك على أربعةِ أضْرُبٍ، أحدها؛ أن يُلْقِيَه من شاهِقٍ، كرَأْسِ جَبَلٍ، أو حائطٍ عالٍ، يَهْلِكُ به غالبًا، فيَمُوتَ، فهو عَمْدٌ (٢٨). الثاني، أن يُلْقِيَهُ في نارٍ، أو ماءٍ يُغْرِقُه، ولا يُمْكِنُه التَّخَلُّصُ منه، إمَّا لكَثْرةِ الماءِ والنَّارِ (٢٩)، وإمَّا لعَجْزِه عن التَّخَلُّصِ، لمَرَضٍ، [أو ضَعْفٍ] (٣٠)، أو صِغَرٍ، أو كَوْنِه مَرْبُوطًا، أو مَنَعَه الخُروجَ، أو كَوْنِه في حُفْرةٍ (٣١) لا يَقْدِرُ على الصُّعودِ منها، ونحو هذا، أو ألْقاهُ في بئرٍ ذاتِ نَفَسٍ (٣٢)، فمات به، عالِمًا بذلك، فهذا كله عَمْدٌ؛ لأنَّه يَقْتُلُ غالبًا. وإن ألْقاهُ في ماءٍ يَسِيرٍ، يَقْدِرُ على الخُرُوجِ منه، فلَبِثَ فيه اخْتيارًا حتى مات،


(٢٤) أوحى: أسرع.
(٢٥) سقط من: الأصل، ب.
(٢٦) في الأصل: "الغاية".
(٢٧) في م: "مثلا".
(٢٨) في ب زيادة: "محض".
(٢٩) في م: "أو النار".
(٣٠) سقط من: أ، م.
(٣١) في م: "حفيرة".
(٣٢) ذات نفس: أي رائحة متغيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>