للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك شُبْهةً تَمْنَعُ من قَبولِ شهادتِه في الحَدِّ؛ لأنَّه يَنْدَرِئُ بالشُّبُهاتِ. الشرط الرابع، العَدالةُ، ولا خلافَ في اشْتراطِها؛ فإنَّ العدالةَ تُشْتَرَطُ فى سائرِ الشهاداتِ، فههُنا مع مَزِيدِ الاحْتياطِ أوْلَى، فلا تُقْبَلُ شهادةُ الفاسِقِ، ولا مَسْتُورِ الحال الذي لا تُعْلَمُ عدالَتُه؛ لجوازِ أن يكونَ فاسِقًا. الشرط الخامس، أن يكونوا مُسْلِمِين، فلا تُقْبَلُ شهادةُ أهْلِ الذِّمَّةِ فيه، سواءٌ كانت الشهادةُ على مسلمٍ أو ذِمِّىٍّ؛ لأنَّ أهلَ الذِّمَّةِ كُفَّارٌ، لا تتحَقَّقُ العدالةُ فيهم، ولا تُقْبَلُ روايتُهم ولا أخْبارُهم الدِّينِيَّةُ، فلا تُقْبَلُ شهادتُهم، كَعَبَدَةِ الأوْثانِ. الشرط السادس، أن يَصِفُوا الزِّنَى، فيقولوا: رأيْنا ذَكَرَه في فَرْجِها، كالمِرْوَدِ في المُكْحُلَةِ، والرِّشَاءِ في البِئرِ. وهذا قولُ معاويةَ بنِ أبي سفيانَ، والزُّهْرِىِّ، والشَّافِعِىِّ، وأبى ثَوْرٍ، وابنِ المُنْذِرِ، وأصْحابِ الرَّأْىِ؛ لما رُوِىَ في قصَّةِ ماعزٍ، أنَّه لمَا أقرَّ عندَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالزِّنَى، فقال: "أَنِكْتَهَا؟ ". فقال: نعم. فقال: "حَتَّى غَابَ ذَلِكَ مِنْكَ، في ذَلِكَ مِنْها، كما يَغِيبُ المِرْوَدُ في المُكْحُلَةِ، والرِّشَاءُ في البِئْرِ؟ ". قال: نعم (٧). وإذا اعْتُبِرَ التَّصْريحُ في الإِقْرارِ، كان اعْتبارُه في الشَّهادَةِ أوْلَى. ورَوَى أبو دَاودَ (٨)، بإسْناده عن جابرٍ، قال: جاءتِ اليهودُ برجلٍ منهم وامرأةٍ زَنَيَا، فقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ائتُونِى بِأَعْلَمِ رَجُلَيْنِ مِنْكُم". فأتَوْه بابْنَى صُوريا، فنشَدَهما: "كَيْفَ تَجِدَانِ أمْرَ هَذَيْنِ في التَّوْرَاةِ؟ ". قالا: نجدُ في التَّوْراةِ إذا شَهِدَ أربعةٌ أنَّهم رَأَوْا ذكرَه في فَرْجِها، مثلَ المِيلِ في المُكْحُلَةِ، رُجِمَا. قال: "فَمَا يَمْنَعُكُمْ (٩) أنْ تَرْجُمُوهُمَا؟ " قالا: ذَهَب سُلْطانُنا، وكَرِهْنَا القتلَ. فدَعا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالشُّهودِ، فجاءَ أربعةٌ، فشَهِدُوا أنَّهم رأَوْا ذَكَرَه في فَرْجِها مثلَ المِيلِ في المُكْحُلَةِ، فأمرَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِرَجْمِهِما. ولأنَّهم إذا لم يَصِفُوا الزِّنَى احْتَمَلَ أن يكونَ المشهودُ به (١٠) لا يُوجِبُ


(٧) تقدم تخريجه، في صفحة ٣٥٥.
(٨) في: باب في رجم اليهوديين، من كتاب الحدود. سنن أبي داود ٢/ ٤٦٦.
كما أخرجه ابن ماجه مختصرا، في: باب رجم اليهودى واليهودية، من كتاب الحدود ٢/ ٨٥٤، وهو فيه عن جابر بن سمرة.
(٩) في سنن أبي داود: "يمنعكما".
(١٠) سقط من: ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>