للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الأماناتِ، فلا نعلمُ أحدًا يقولُ بوُجوبِ القَطْعِ عليه. الشرط الثاني، أن يكونَ المسروقُ نِصَابًا، ولا قطعَ في القليلِ، في قولِ الفُقَهاءِ كُلِّهم إلَّا الحسنَ، وداودَ، وابنَ بنتِ الشافعىِّ، والخَوارِجَ، قالوا: يُقْطَعُ في القليلِ والكثيرِ؛ لعُمومِ الآيَةِ، ولما رَوَى أبو هُرَيْرَةَ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبِىَّ، -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُه، ويَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُه". مُتَّفَقٌ عليه (١٠). ولأنَّه سَارِقٌ من حِرْزٍ، فتُقْطَعُ يدُه، كسَارِقِ الكثيرِ. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا قَطْعَ إلَّا في رُبْعِ دِينارٍ فَصَاعِدًا". مُتَّفَقٌ عليه (١١). وإجماعُ الصَّحابَةِ عَلَى ما سنذْكُرُه. وهذا يَخُصُّ عُمُومَ الآيةِ، والحَبْلُ يحتَمِلُ أن يُسَاوِىَ ذلك، وكذلك البَيْضَةُ، يَحْتَمِلُ أن يُرَادَ بها بَيْضَةُ السِّلَاحِ، وهى تُسَاوِى ذلك. واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عن أحمدَ في قَدْرِ النِّصَابِ الذي يجبُ القَطْعُ بِسَرِقَتِهِ، فرَوَى عنه أبو إسحاقَ الجُوزَجَانِىُّ، أنَّه رُبْعُ دِينَارٍ من الذَّهَبِ، أو ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ من الوَرِقِ، أو مَا قِيمَتُه ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ من غيرِهما. وهذا قولُ مالِكٍ، وإسْحاقَ. ورَوَى عنه الأثْرَمُ، أنَّه إِنْ سَرَقَ من غيرِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ ما قيمتُه رُبْعُ دِينَارٍ، أو ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ، قُطِعَ. فعلى هذا يُقَوَّمُ غيرُ (١٢) الأثمانِ بأدْنَى الأَمْرَيْنِ، من رُبْعِ دِينَارٍ، أو ثَلاثَةِ دَرَاهِمَ. وعنه، أنَّ الأصلَ الوَرِقُ (١٣)، ويُقَوَّمُ الذَّهَبُ به، فإنْ نَقَصَ رُبْعُ دِينَارٍ عن ثَلاثَةِ دَرَاهِمَ، لم يُقْطَعْ سَارِقُه. وهذا يُحْكَى عن اللَّيْثِ، وأبي ثَوْرٍ. وقالتْ عائشَةُ: لَا قَطْعَ (١٤) إلَّا في رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا (١٥). ورُوِىَ هذا عن عمرَ، وعثمانَ، وعَلِيٍّ، رَضِىَ


(١٠) أخرجه البخاري، في: باب لعن السارق إذا لم يُسمَّ، وباب قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} من كتاب الحدود. صحيح البخاري ٨/ ١٩٨، ٢٠٠، ٢٠١. ومسلم، في: باب حد السرقة ونصابها، من كتاب الحدود. صحيح مسلم ٣/ ١٣١٤.
كما أخرجه النسائي، في: باب تعظيم السرقة، من كتاب قطع السارق. المجتبى ٨/ ٥٩. وابن ماجه، في: باب حد السارق، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٦٢. والإِمام أحمد في: المسند ٢/ ٢٥٣.
(١١) تقدم تخريجه، في صفحة ٤١٥.
(١٢) سقط من: ب.
(١٣) في ب، م: "للورق".
(١٤) في ب: "يقطع".
(١٥) تقدم تخريجه موقوفًا على عائشة في صفحة ٤١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>