وقد رجّح ابنُ جرير (١٦/ ٣٧٧) مستندًا إلى السياق القول الثاني بقوله: «وهذا القول -أعني: قولَ مَن قال: ذهب عن قومه مغاضبًا لربه- أشبه بتأويل الآية، وذلك لدلالة قوله: {فظن أن لن نقدر عليه} على ذلك». وانتقد (١٦/ ٣٧٧ بتصرف) مستندًا إلى الدلالة العقلية والقرآن القول الأول، فقال: «على أنّ الذين وجَّهوا تأويل ذلك إلى أنّه ذهب مغاضبًا لقومه إنّما زعموا أنّهم فعلوا ذلك استنكارًا منهم أن يغاضب نبيٌّ من الأنبياء ربه، واستعظامًا له. وهم بقيلهم أنّه ذهب مغاضبًا لقومه قد دخلوا في أمر أعظم مما أنكروا؛ لأن ذهابه عن قومه مغاضبًا لهم، وقد أمره الله تعالى بالمقام بين أظهرهم، ليبلغهم رسالته، لا شك أن فيه ما فيه. ولولا أنه قد كان - صلى الله عليه وسلم - أتى ما قاله الذين وصفوه بإتيان الخطيئة، لم يكن الله -تعالى ذِكْرُه- ليعاقبه العقوبة التي ذكرها في كتابه، ويَصِفه بالصِّفة التي وصفه بها، فيقول لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم} [القلم: ٤٨]، ويقول: {فالتقمه الحوت وهو مليم فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} [الصافات: ١٤٣]». وانتقد ابنُ عطية (٦/ ١٩٥) مستندًا إلى الدلالة العقلية القول الثاني، قائلًا: «وفي هذا القول مِن الضَّعْف ما لا خفاء به مِمّا لا يَتَّصِف به نبيٌّ». وذكر ابنُ عطية قولًا ثالثًا في الآية، فقال: «وقالت فرقة: إنما غاضب الملِك الذي كان على قومه». ثم علّق عليه قائلًا: «وهذا نحوٌ مِن الأول [يعني قول من قال: غاضب قومه] فيما يلحق منه يونس - عليه السلام -».