وقد رجَّح ابنُ جرير (٨/ ٦٣٦ - ٦٣٧) مستندًا إلى السُّنَّة القول الثاني، وهو قول ابن عباس، وسعيد بن جبير، وعامر الشعبي، والضحاك، وعلَّل ذلك بقوله: «وذلك أنّ أحكام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الكفارات كلها بذلك وردت، ولا يُعْرَف له - صلى الله عليه وسلم - شيءٌ من الكفارات أمَرَ بإطعام خبزٍ وإدامٍ، ولا بغداءٍ وعشاءٍ». وقد بيَّن ابنُ جرير أن للقول الأول وجاهةً لولا مجئ الأحاديث النبوية القاضية بخلافه، وبيَّن كذلك المقدار الواجب إخراجه على المعسر والموسر، فقال: «وإذا كان ذلك كذلك فأعدلُ أقوات الموسِعِ على أهله مُدّان، وذلك نصف صاع في رُبُعِه إدامُه، وذلك أعلى ما حَكَمَ به النبي - صلى الله عليه وسلم - في كفارةٍ في إطعام مساكين، وأعدل أقوات المقتِر على أهله مُدٌّ، وذلك ربع صاع، وهو أدنى ما حكم به في كفارةٍ في إطعام مساكين». وقد وجَّه معنى {ما} من قوله تعالى: {مِن أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِيكُمْ} على القولين بأنها على القول الأول اسم، وعلى الثاني مصدر. وذهب ابنُ عطية (٣/ ٢٤١) إلى أن «الوجْه أن يعم بلفظ الوسط القدر والصنف». ورجَّح ابنُ تيمية (٢/ ٥٣٤ بتصرف) -ولم يذكر مستندًا- الرجوعَ إلى العُرْف في مقدار ما يُطْعِمُه المكَفِّر، فقال: «أمر الله تعالى بإطعام المساكين من أوسط ما يُطْعِم الناس أهليهم. وقد تنازع العلماءُ في ذلك: هل ذلك مُقَدَّر بالشرع، أو يرجع فيه إلى العُرْف؟ والراجح في هذا كُلِّه أن يرجع فيه إلى العُرْف، فيطعم كل قوم مما يطعمون أهليهم».