للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهكذا كلما بَعُد الزمان ازدادت العجمة، وازداد طلب شرح ألفاظ القرآن وأساليبه واحتاجوا إلى وضع قوانين للّغة تحفظ موازينها، فظهرت علوم اللغة من نحو وصرف وبلاغة واشتقاق وغيرها.

من جانب آخر نجد أن مع هذه الفتوحات كثر احتكاك المسلمين بأهل الكتاب، واطلعوا على المزيد من كتبهم، وربما نقلوا عنهم (١). كذلك دخل في الإسلام فئام منهم، وبعضهم من أحبارهم وكبار علمائهم، يأتي على رأسهم كعب بن ماتع الحميري المعروف بكعب الأحبار (ت: ٣٢ هـ)، "الذي كان يهوديًّا، فأسلم بعد وفاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقدم المدينة من اليمن في أيام عمر -رضي اللَّه عنه-، فجالس أصحاب محمدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم- فكان يحدثهم عن الكتب الإسرائيلية" (٢)؛ التي "كان -في الغالب- يعرف حقَّها من باطلها لسعة علمه وكثرة اطلاعه" (٣).

[٢ - انتقال الصحابة إلى الأمصار المفتوحة]

حين اتسعت الفتوحات في عهد عمر بن الخطاب ودخل في الإسلام شعوب تلك البلاد رغبوا في تعلم كتاب اللَّه وأحكام شرعه، فأرسل قادةُ الجيوش إلى الخليفة ليسُدَّ لديهم هذه الخلة، ويكفيهم مؤونة هذه المهمة، فعن محمد بن كعب القرظي، قال: "جمع القرآن في زمان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خمسة من الأنصار: معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبي بن كعب وأبو أيوب وأبو الدرداء، فلما كان زمن عمر بن الخطاب كتب إليه يزيد بن أبي سفيان: إن أهل الشام قد كثروا ورَبَلُوا (٤) وملؤوا المدائن، واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم، فأَعنِّي يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم، فدعا عمر أولئك الخمسة فقال لهم: إن إخوانكم من أهل الشام قد استعانوني بمن يعلمهم القرآن ويفقههم في الدين، فأعينوني رحمكم اللَّه بثلاثة منكم، إن أجبتم فاستهموا، وإن انتدب ثلاثة منكم فليخرجوا، فقالوا: ما كنا لنتساهم، هذا شيخ كبير -لأبي أيوب-، وأما هذا فسقيم -لأُبي بن كعب-، فخرج معاذ وعبادة وأبو الدرداء، فقال عمر: ابدؤوا بحمص فإنكم ستجدون الناس على وجوه مختلفة، منهم


(١) كما روي عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص أنه وجد زاملتين من كتب أهل الكتاب بعد اليرموك فكان يحدث منها.
(٢) سير أعلام النبلاء ٣/ ٤٨٩.
(٣) تاريخ الإسلام ٢/ ٢١٤.
(٤) رَبَلوا: كثروا ونَمَوا. تاج العروس (ربل).

<<  <  ج: ص:  >  >>