وقد ذكر ابنُ جرير (٢٤/ ٥٩) هذه الأقوال، ورجّح العموم فيها، فقال: «والصواب من القول في ذلك عندي أن يُقال: إنّ الله -تعالى ذِكْره- أقسم بالنازعات غرقًا، ولم يخصص نازعة دون نازعة، فكلّ نازعة غرقًا فداخلة في قَسمه؛ مَلَكًا كان، أو موتًا، أو نجمًا، أو قوسًا، أو غير ذلك. والمعنى: والنازعات إغراقًا، كما يغرق النازع في القوس». ورجّح ابنُ القيم (٣/ ٢٤٩ - ٢٥٠ بتصرف) -مستندًا إلى الدلالة العقلية- القول الأول، فقال: «قلتُ: النازعات اسم فاعل من نزع، ويقال: نزع كذا إذا اجتذبه بقوة، ونزع عنه إذا خلّاه وتركه بعد ملابسته له، ونزع إليه إذا ذهب إليه ومال إليه. وهذا إنما تُوصف به النفوس التي لها حركة إرادية للميل إلى الشيء أو الميل عنه، وأحقّ ما صدق عليه هذا الوصف الملائكة؛ لأنّ هذه القوة فيها أكمل، وموضع الآية فيها أعظم، فهي التي تُغرق في النزع إذا طلبتْ ما تنزعه، أو تنزع إليه، والنفس الإنسانية أيضًا لها هذه القوة». ووافقه ابنُ كثير (١٤/ ٢٣٨) بقوله: «والصحيح الأول، وعليه الأكثرون». ثم وجّه ابنُ القيم بقية الأقوال الواردة عن السلف، فقال: «والنُّجوم أيضًا تَنزع من أفق إلى أفق؛ فالنّزع حركة شديدة؛ سواء كانت من مَلَك، أو نفس إنسانية، أو نجم، والنفوس تَنزع إلى أوطانها وإلى مألفها، وعند الموت تَنزع إلى ربها المنايا تنزع النفوس، والقِسِيُّ تُنزع بالسهام، والملائكة تنزِع مِن مكان إلى مكان، وتَنزع ما وُكِلتْ بنَزعه، والخيل تَنزع في أعنّتها نزعًا تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها. فالصفة واقعة على كلّ مَن له هذه الحركة التي هي آيةٌ مِن آيات الرّبّ تعالى؛ فإنه هو الذي خَلَقها، وخَلَق محلَّها، وخَلَق القوة والنفس التي بها تتحرك، ومن ذكر صورة من هذه الصور فإنما أراد التمثيل، وإن كانت الملائكة أحقَّ مَن تناوله هذا الوصف ... وهذا أولى الأقوال».