للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تلقي التفسير عند السلف عبر طريق المشافهة والحفظ، والمنهج التعليمي لديهم في إلقاء دروس التفسير.

* طرق تلقي التفسير وأدائه مشافهة عند السلف:

تقدم معنا كيفية تلقى الصحابة التفسير في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأن ذلك إما بأن يبتدئهم بتفسير الآية، أو أن يستشكلوا شيئًا من معاني الآيات فيسألون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعند النظر إلى مرويات التفسير عن الصحابة ربما يتبادر إلى الذهن السؤال عن كيفية تلقي التفسير وإلقائه في عهد الصحابة والتابعين، وفيما يلي إلماحة إلى شيء من ذلك من خلال استقراء بعض مرويات التفسير:

[١ - مجالس التفسير الخاصة]

كانت لبعض الصحابة مجالس علمية خاصة مع نجباء تلاميذهم، يتدارسون فيها القرآن ومعانيه، يقف فيها المعلم وقفات تربوية مع المتعلمين، فيبين لهم ويطلب آراءهم، ويشحذ أذهانهم بالمسائل العلمية، ويشجعهم وينمي لديهم ملكة التفسير، ويظهر هذا جليًّا من خلال المثال التالي في مجالس أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-:

عن ابن زيد قال: "كان عمر بن الخطاب إذا صلى السُّبْحة (١) وفرغ دخل مِرْبدًا (٢) له، فأرسل إلى فِتْيانٍ قد قرؤوا القرآن، منهم ابن عباس، وابن أخي عُيَيْنة، قال: فيأتون فيقرؤون القرآن ويتدارسونه، فإذا كانت القائلة انصرف. قال: فمروا بهذه الآية: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ} [البقرة: ٢٠٦]، {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة: ٢٠٧]، فقال ابن عباس، لبعض من كان إلى جنبه: اقتتل الرجلان. فسمع عمر ما قال، فقال: وأيُّ شيء قلتَ؟ قال: لا شيء يا أمير المؤمنين. قال: ماذا قلت؟ اقتتل الرجلان؟ قال: فلما رأى ذلك ابن عباس، قال: أرى هاهنا مَنْ إذا أُمِر بتقوى اللَّه أخذته العزة بالإثم، وأرى من يَشْري نفسه ابتغاء مرضاة اللَّه؛ يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى اللَّه، فإذا لم يقبل وأخذته العزة بالإثم، قال هذا: وأنا أشتري نفسي فقاتله، فاقتتل الرجلان.


(١) السُّبْحة: صلاة النافلة، النهاية (سبح).
(٢) المِرْبد: فضاء وراء البيوت يُرتفق به، والمِرْبد أيضًا كالحُجرة في الدار، لسان العرب (ربد).

<<  <  ج: ص:  >  >>