للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٩٠٥٦ - قال مقاتل بن سليمان: {واتَّقُوا اللَّهَ}، ولا تعصوه فيما حذَّركم اللهُ في هذه الآية مِن أمر المُضارَّةِ، والكسوة، والنفقة للأم، وأجر الظِّئْر. ثُمَّ حذَّرهم، فقال: {واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (١). (ز)

{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}

٩٠٥٧ - عن عبد الله بن عباس -من طريق علي بن أبي طلحة- في قوله: {والذين يتوفون} الآية، قال: كان الرجلُ إذا مات وترك امرأتَه اعتدَّت سنةً في بيته، يُنفَق عليها مِن ماله، ثم أنزل الله: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا}. فهذه عِدَّةُ المُتَوَفّى عنها، إلا أن تكون حامِلًا، فعِدَّتُها أن تضع ما في بطنها. وقال في ميراثها: {ولهن الربع مما تركتم} [النساء: ١٢]، فبيَّنَ ميراثَ المرأة، وتَرَكَ الوصيةَ والنفقةَ (٢). (٣/ ١٣)

٩٠٥٨ - عن عبد الله بن عباس -من طريق ابن جُرَيْج، عن عطاء-: أنّه كَرِه للمُتَوَفّى عنها زوجُها الطِّيبَ والزينةَ. وقال: إنّما قال الله: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا}. ولم يقل: في بيوتكم؛ تعتدُّ حيث شاءتْ (٣) [٨٩٣]. (٣/ ١٦)


[٨٩٣] وجَّه ابنُ جرير (٤/ ٢٥٤ - ٢٥٥ بتصرف) هذا القولَ الذي قال به ابنُ عباس من طريق عطاء، والحسن، ذاكرًا مستندهما من العموم والسنة، فقال: «واعتلَّ قائلو هذه المقالةِ بأنّ الله -تعالى ذِكْرُه- إنّما أمر المُتَوَفّى عنها بالتَّرَبُّص عن النكاح، وجعلوا حكمَ الآية على الخصوص. وبما حدَّثني به محمد بن إبراهيم السلمي ... عن أسماء بنت عميس، قالت: لَمّا أُصِيب جعفرٌ قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تسلبي ثلاثًا، ثم اصنعي ما شئتِ». قالوا: فقد بَيَّن هذا الخبرُ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا إحداد على المُتَوَفّى عنها زوجُها. وأنّ القول في تأويل قوله: {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} إنّما هو يَتَرَبَّصْنَ بأنفسهنَّ عن الأزواج دون غيره».
وانتَقَدَهُ (٤/ ٢٥٥ - ٢٥٦) مستندًا لمخالفته القرآنَ والسنةَ بما ملخصُه الآتي: ١ - مخالفته لظاهر التنزيل؛ حيث إنّ الله أمر المُتَوَفّى عنها زوجُها بالتربص بنفسها أربعة أشهر وعشرًا، فعمَّ ذلك جميعَ معاني التربص؛ فيجبُ عليها التربصُ بنفسها عن كُلِّ شيء إلا ما أطلقته حُجَّةٌ يجب لها التسليم. ٢ - مخالفته لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ التربُّصُ عن الزينة والطيب ثابتٌ، وكذلك النُّقْلَة، فبان بذلك عمومُ معنى التربص للمرأة، وبُطولُ مَن خَصَّص أمورًا دون أخرى.
وأمّا الخبرُ المرويُّ عن أسماء فقد وجَّهه ابنُ جرير (٤/ ٢٥٧) بقوله: «وأمّا الخبر الذي رُوي عن أسماء ابنة عميس [سيأتي ذكره في الآثار المتعلقة بأحكام الآية] فإنه غير دالٍّ على أن لا إحداد على المرأة، بل إنّما دلَّ على أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - إياها بالتَّسَلُّب ثلاثًا، ثُمَّ العمل بما بدا لها من لبس ما شاءت من الثياب مما يجوز للمعتدة لبسه مما لم يكن زينة ولا تطيبًا؛ لأنه قد يكون من الثياب ما ليس بزينة ولا ثياب تسلب، وذلك كالذي أذن - صلى الله عليه وسلم - للمتوفى عنها أن تلبس من ثياب العصب، وبرود اليمن، فإنّ ذلك لا من ثياب زينة ولا من ثياب تسلب، وكذلك كل ثوب لم يدخل عليه صِبْغ بعد نسجه مما يصبغه الناس لتزيينه، فإنّ لها لبسه؛ لأنها تلبسه غير متزينة الزينة التي يعرفها الناس».
وانتَقَد ابنُ عطية (٢/ ٥٧٨) أيضًا هذا القول، فقال بعد ذكره: «وهذا ضعيف». ولم يذكر مستندًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>