وقد رجّح ابنُ جرير (١٦/ ٣٠٣) مستندًا إلى اللغة، والدلالة العقلية القول الأول، وعلَّل ذلك بقوله: «وإنما اخترنا القول الذي قلنا في معنى ذلك لأنّ نكس الشيء على رأسه: قلبه على رأسه، وتصيير أعلاه أسفله. ومعلومٌ أنّ القوم لم يُقْلَبوا على رءوس أنفسهم، وأنهم إنما نكست حجتهم، فأُقِيم الخبر عنهم مقام الخبر عن حُجَّتهم. وإذ كان ذلك كذلك فنكس الحجة لا شك إنما هو احتجاج المحتج على خصمه بما هو حجة لخصمه». ووافقه ابنُ كثير (٩/ ٤١٥) مستندًا إلى ظاهر الآية، فقال: «وقول قتادة أظهر في المعنى؛ لأنهم إنما فعلوا ذلك حيرة وعجزًا؛ ولهذا قالوا له: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون}، فكيف تقول لنا: سَلُوهم إن كانوا ينطقون، وأنت تعلم أنها لا تنطق؟! فعندها قال لهم إبراهيم لَمّا اعترفوا بذلك: {أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم} أي: إذا كانت لا تنطق، وهي لا تضر ولا تنفع، فلِم تعبدونها من دون الله؟!». ثم انتقد (١٦/ ٣٠٣) ابنُ جرير مستندًا إلى الدلالة العقلية القولَ الثاني، فقال: «وأما قول السدي: ثم نكسوا في الفتنة. فإنهم لم يكونوا خرجوا مِن الفتنة قبل ذلك فنكسوا فيها!».