ورَجَّح ابنُ جرير (٤/ ٣٩٦ بتصرف) القولَ الأول، وانتَقَدَ الثانيَ الذي قاله مجاهد مستندًا إلى الإجماع، والسياق، فقال: «هذا القول الذي ذكرنا عن مجاهد قولُ غيرِه أوْلى بالصواب منه؛ لإجماع الجميع على أنّ الخوف متى زال فواجبٌ على المصلي المكتوبةَ -وإن كان في سفرٍ- أداؤُها بركوعها وسجودها وحدودها، وقائمًا بالأرض غيرَ ماشٍ ولا راكب، كالذي يجب عليه من ذلك إذا كان مقيمًا في مصره وبلده، إلا ما أبيح له مِن القصر فيها في سفره. ولم يجرِ في هذه الآية للسفر ذِكْرٌ، فيتوجه قوله: {فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون} إليه. فإن كان جرى للسفر ذِكْرٌ، ثم أراد الله -تعالى ذكره- تعريفَ خلقه صفةَ الواجب عليهم من الصلاة بعد مقامهم لقال: فإذا أقمتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون. ولم يقل: {فإذا أمنتم}». وعلَّق ابنُ عطية (١/ ٦٠٥) فقال: «وفي هذا تحويم على المعنى كثير». وذكَر قولَيْن آخَرَيْن: الأول: أن المعنى: فإذا زال خوفكم الذي ألجأكم إلى هذه الصلاة فاذكروا الله بالشكر على هذه النعمة في تعليمكم هذه الصلاة التي وقع بها الإجزاء، ولم تَفُتْكم صلاة من الصلوات، وعلَّق عليه بقوله: «وهذا هو الذي لم يكونوا يعلمونه». الثاني: فإذا كنتم آمنين قبل، أو بعد، كأنه قال: فمتى كنتم على أمن فاذكروا الله، أي: صلوا الصلاة التي قد علمتموها، أي: فصَلُّوا كما علَّمكم صلاةً تامةً، وذكر أن النقاش حكاه هو وغيره. ثم علَّق بقوله: «وقوله -على هذا التأويل- {ما لم تكونوا} بدل من» ما «التي في قوله: {كما}، وإلا لم يتَّسِق لفظ الآية، وعلى التأويل الأول {ما} مفعولة بـ {علمكم}».