للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لأن اليهود مجمعة إلى اليوم على ذلك من تحريمها، كما كان عليه من ذلك أوائلها" (١). ومثله قول ابن جرير (ت: ٣١٠ هـ) في قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} [الإسراء: ٤]: "وأما إفسادهم في الأرض المرة الآخرة فلا اختلاف بين أهل العلم أنه كان قتلهم يحيى بن زكريا" (٢)، وهو ما أسنده قبل ذلك عن جماعة من السلف مما يأثرونه عن أهل الكتاب. ورجح ابن كثير (ت: ٧٧٤ هـ) -مستندًا إلى الإسرائيليات- أن المائدة لم تنزل على من سألها مع عيسى عليه السلام، فقال: "وقد يتقوى ذلك بأن خبر المائدة لا تعرفه النصارى، وليس هو في كتابهم، ولو كانت قد نزلت لكان ذلك مما تتوفر الدواعي على نقله، وكان يكون موجودًا في كتابهم متواترًا، ولا أقل من الآحاد" (٣).

[٩ - النظائر]

ويراد بها: حمل معنى الآية على نظيره؛ وهو معنى اللفظ الذي يشابهه ويماثله.

وهذا نوع من الاستدلال وقياس المعاني على بعضها، وهو صحيح مقبول، فإن معاني الوحي كلها حق وصدق، وبعضها يصدق بعضا ويشهد له، كما أن من معانيه ما يتكرر في غير ما موضع، بمعان متشابهة أحيانًا، وبمزيد تفصيل وبيان أحيانًا أخرى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر: ٢٣]، وهذا نوع من البيان يشتمله قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: ١٩]، وقوله: {وَأَنزَلْنَا إِليكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤]، قال ابن جرير (ت: ٣١٠ هـ): "والمقول إذا خرج عن أن يكون أصلًا، أو نظيرًا لأصل فيما تنازعت فيه الأمة كان واضحًا فساده" (٤).

كما أن حمل النظير على النظير، والجمع بين المتماثلات، والتفريق بين المختلفات مما تقتضيه العقول السليمة، والفطر المستقيمة.

وقد ظهر اعتماد السلف على هذا النوع من البيان لكتاب اللَّه كثيرًا، ومنه قول قتادة (ت: ١١٧ هـ): " {وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا} [النحل: ٥٢]، قال: دائمًا؛ ألا ترى أنه يقول: {عَذَابٌ وَاصِبٌ} [الصافات: ٩]؛ أي: دائم" (٥)، وقول ابن زيد (ت: ١٨٢ هـ) في قوله:


(١) ينظر: جامع البيان ٥/ ٥٨٦، والمحرر الوجيز ٢/ ٢٨٦.
(٢) ينظر: جامع البيان ١٤/ ٤٦٩.
(٣) تفسير القرآن العظيم ٥/ ٤٢٣ - ٤٢٤.
(٤) جامع البيان ٩/ ٨٦.
(٥) جامع البيان ١٤/ ٢٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>