[٦٦] ذكر ابنُ جرير (١/ ٣١٥ - ٣١٧ بتصرف) عدة أقوال في بيان معنى استهزاء الله بالمنافقين، ولم يُسْنِد منها غيرَ قول ابن عباس، ورجَّح معنى قول ابن عباس مُستندًا إلى كلامِ العربِ، وقولِ ابنِ عبّاس، فقال: «والصواب في ذلك من القول والتأويل عندنا: أنّ معنى الاستهزاء في كلام العرب: إظهارُ المستهزِئ للمستهزَأِ به من القول والفعل ما يُرضيه ظاهرًا، وهو بذلك من قِيله وفِعْله به مُورِثه مَساءة باطنًا، فإذا كان ذلك كذلك، وكان الله -جَلَّ ثناؤُه- قد جعل لأهل النفاق في الدنيا من الأحكام أحكام المسلمين، حتى ظنُّوا في الآخرة إذْ حُشِرُوا في عِداد من كانوا في عِدادهم في الدنيا أنّهم وارِدُون موْرِدَهم، والله -جل جلاله- مُعِدٌّ لهم من أليم عقابه؛ كان معلومًا أنه -جلَّ ثناؤه- بذلك من فعلِه بهم مستهزئًا، وبهم ساخرًا». وقد نقل ابنُ كثير (١/ ٢٩٣) ترجيحه، ثم علَّق بقوله: «ثم شَرَع ابن جرير يُوَجِّه هذا القول وينصره؛ لأن المكر والخداع والسخرية على وجه اللعب والعبث منتفٍ عن الله - عز وجل - بالإجماع، وأما على وجه الانتقام والمقابلة بالعدل والمجازاة فلا يمتنع ذلك». ونقل ابن عطية (١/ ١٢٨، ١٢٩) في معنى الاستهزاء قولين آخرين: الأول: «هي تسمية العقوبة باسم الذنب»، ونسبه لجمهور العلماء. والثاني: «استهزاؤه بهم هو استدراجهم من حيث لا يعلمون»، ولم ينسبه، ووجَّهه بقوله: «وذلك أنهم بدرور نِعَم الله الدنيوية عليهم يظنون أنه راض عنهم، وهو تعالى قد حتَّم عذابهم، فهذا على تأمل البشر كأنه استهزاء».