[٢١٢٤] وجّه ابنُ عطية (٣/ ٢٠٥) هذه القراءة، فقال: "وذلك على أنّ المراد: عبدة الطاغوت، وحذفت الهاء تخفيفًا، ومثله قول الراجز: قام ولاها فسقوها صرخدا أراد: ولاتها. فحذف تخفيفًا". وقال ابنُ كثير (٥/ ٢٧٤ بتصرف) موجِّهًا معنى الآية على هذه القراءة: «المعنى على هذه القراءة: وجعل منهم من عبد الطاغوت». وعند ابن جرير نحوه (٨/ ٥٤١).
وقد رجّح ابنُ جرير (٨/ ٥٤٤ - ٥٤٥ بتصرف) هذه القراءة مستندًا إلى بعض القراءات، قال: «وأَوْلى هذه القراءات بالصواب قراءة من قرأ ذلك: {وعبد الطاغوت}، بمعنى: وجعل منهم القردة والخنازير ومَن عبد الطاغوت؛ لأنه ذكر أن ذلك في قراءة أُبَيّ بن كعب وابن مسعود: (وجَعَلَ مِنهُمُ القِرَدَةَ والخَنازِيرَ وعَبَدُوا الطّاغُوتَ)، بمعنى: والذين عبدوا الطاغوت. ففي ذلك دليل واضح على صحة المعنى الذي ذكرنا من أنّه مراد به: ومن عبد الطاغوت». ثم بين معنى الآية على هذا الترجيح، فقال: «فتأويل الآية: قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله؛ مَن لعنه، وغضب عليه، وجعل منهم القردة والخنازير، ومَن عبد الطاغوت». وانتَقَدَ ابنُ تيمية (٦/ ٥٠٤ - ٥٠٥) هذا الذي ذهب إليه ابنُ جرير مُرَجِّحًا أنّ قوله تعالى: {وعبد الطاغوت} معطوف على قوله تعالى: {لعن}، وأنه فعل ماضٍ، وليس داخلًا في خبر «جعل»، مستندًا إلى الدلالة العقلية، قال: «قوله: {وعبد الطاغوت} ليس المراد: وجعل منهم من عبد الطاغوت، كما ظنه بعض الناس، فإن اللفظ لا يدل على ذلك، والمعنى لا يناسبه، فإنّ المراد ذمهم على ذلك، والإخبار بأن الله جعل فيهم القردة والخنازير، فإن ذلك عقوبة منه لهم على ذنوبهم، وذلك خزي لهم، فعابهم بلعنة الله، وعقوبتهم بالشرك الذي هم فيه، وهو عبادة الطاغوت».