ورجَّح ابنُ جرير (٢٢/ ٣٥٨) -مستندًا إلى اللغة- القول الأول، وهو قول ابن عباس، والضَّحّاك، والحسن، وقتادة، ومقاتل، فقال: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي قولُ مَن قال: عُنِيَ بذلك: للمسافر الذي لا زاد معه، ولا شيء له. وأصله من قولهم: أقْوَت الدار: إذا خَلَت من أهلها وسكانها». واستشهد ببيتٍ من الشعر. وعلَّق ابنُ كثير (١٣/ ٣٨٧) على القول الثاني بقوله: «وهذا التفسير أعمُّ مِن غيره، فإنّ الحاضر والبادي مِن غني وفقير، الكلّ محتاجون للطبخ والاصطلاء والإضاءة وغير ذلك من المنافع. ثم مِن لطف الله تعالى أنْ أودعها في الأحجار، وخالص الحديد، بحيث يتمكّن المسافر مِن حمْل ذلك في متاعه وبين ثيابه، فإذا احتاج إلى ذلك في منزله أخرج زِنده وأورى، وأوقد ناره فاطبخ بها واصطلى، واشتوى واستأنس بها، وانتفع بها سائر الانتفاعات؛ فلهذا أفرد المسافرون، وإن كان ذلك عامًّا في حق الناس كلّهم». وذكر ابنُ عطية (٨/ ٢٠٧) أن معنى «المُقْوِين» في هذه الآية: «الكائنون في الأرض القواء، وهي الفيافي». ثم ذكر أنّ بعض الناس «عبر في تفسير» المُقْوِين «بأشياء ضعيفة، كقول ابن زيد: للجائعين ونحوه». ولم يذكر مستندًا، ثم علَّق على القول الأول بقوله: «ومَن قال: معناه: للمسافرين. فهو نحو ما قلناه، وهي عبارة ابن عباس - رضي الله عنهما -، تقول: أصبح الرجل: دخل في الصباح، وأَصْحَرَ: دخل في الصحراء، وأقوى: دخل في الأرض القَواء، ومنه: أقْوَت الدار، أقوى الطَّلَلُ، أي: صار قواءً ... ». وذكر ابنُ القيم (٣/ ١١٤) أنّ «المُقْوين»: هم المسافرون. ثم علَّق بقوله: «وخصّ المُقْوين بالذكر، وإن كانت منفعتها عامةً للمسافرين والمقيمين تنبيهًا لعباده -والله أعلم بمراده مِن كلامه- على أنهم كلّهم مسافرون، وأنهم في هذه الدار على جناح سفر ليسوا هم مقيمين ولا مستوطنين، وأنهم عابرو سبيل وأبناء سفر».