ورجَّح ابنُ جرير (٨/ ٦١٥) مستندًا إلى دلالة العموم شمول معنى الاعتداء لكلِّ تلك الأقوال، فقد بيَّن أنّ معنى الاعتداء: تجاوُز المرء مالَه إلى ما ليس له في كل شيء. ثم قال: «وإذ كان ذلك كذلك، وكان الله -تعالى ذِكْرُه- قد عمَّ بقوله: {ولا تَعْتَدُوا} النهيَّ عن العدوان كلِّه؛ كان الواجب أن يكون محكومًا لِما عمَّه بالعموم حتى يَخُصَّه ما يجب التسليم له، وليس لأحدٍ أن يتعدّى حدَّ الله -تعالى ذِكْرُه- في شيءٍ من الأشياء مِمّا أحَلَّ أو حرَّم، فمَن تعدّاه فهو داخلٌ في جُمْلَةِ مَن قال -تعالى ذِكْره-: {إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ}. وغيرُ مستحيلٍ أن تكون الآيةُ نزلت في أمر عثمان بن مظعون والرَّهطِ الذين همُّوا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما همُّوا به من تحريم بعض ما أحلَّ الله لهم على أنفسهم، ويكون مرادًا بحكمها كلُّ مَن كان في مثل معناهم مِمَّن حَرَّم على نفسه ما أحلَّ الله له، أو أحلَّ ما حرَّم الله عليه، أو تجاوز حدًّا حدَّه الله له». وعلَّق ابنُ عطية (٣/ ٢٣٨) على القول الثالث -وهو قول الحسن- بقوله: «فالنهيان على هذا تضَمَّنا الطَّرَفَيْن، فكأنه قال: لا تتشددوا فتُحَرِّموا حلالًا، ولا تَتَرخَّصوا فتُحِلُّوا حرامًا».