للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٨٢٩٥ - عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم-من طريق ابن وهب- في قوله: {ولا جنبا إلا عابري سبيل}. قال: هو المسافر الذي لا يجِدُ الماء، فلا بُدَّ له مِن أن يتيمم ويصلي، فهو يتيمم ويصلي. قال: كان أبي يقول ذلك (١) [١٧٠٠]. (ز)

[أحكام متعلقة بالآية]

١٨٢٩٦ - عن عطاء بن يسار، قال: رأيتُ رجالًا مِن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجلِسون في المسجد وهم مُجنِبون، إذا تَوَضَّؤُوا وضوء الصلاة (٢) [١٧٠١]. (ز)


[١٧٠٠] اختلف السلف في تفسير قوله تعالى: {ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} على قولين: الأول: أنّ هذا في شأن المسافر لا يجد الماء فيتيمم ويصلي. والثاني: أنّ الآية عُني بها النهيُ عن قربان المسجد، إلا أن يَمُرَّ به مجتازًا إيّاه، ولا يمكث فيه.
وقد رجّح ابنُ جرير (٧/ ٥٨) القولَ الثاني، وانتَقَد الأولُ مستندًا إلى الدلالة العقلية، فقال: «وأَوْلى القولين بالتأويل لذلك تأويلُ مَن تأوَّله: {ولا جنبا إلا عابري سبيل}: إلا مُجتازِي طريقٍ فيه. وذلك أنّه قد بَيَّن حكم المسافر إذا عدم الماء وهو جُنُب في قوله: {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا}، فكان معلومًا بذلك أنّ قوله: {ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} لو كان معنِيًّا به المسافر لم يكن لإعادة ذكره في قوله: {وإن كنتم مرضى أو على سفر} معنًى مفهوم، وقد مضى ذِكْرُ حُكْمِه قبل ذلك. وإذ كان ذلك كذلك فتأويل الآية: يا أيها الذين آمنوا، لا تقربوا المساجد للصلاة مُصَلِّين فيها وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون، ولا تقربوها أيضًا جُنُبًا حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل».
وذَكَر ابنُ كثير (٤/ ٧١) أنّ الذي رجحه ابن جرير هو قول الجمهور، ثُمَّ رجحه بقوله: «وهو الظاهر من الآية، وكأنّه تعالى نهى عن تعاطي الصلاة على هيئةٍ ناقصة تُناقِضُ مقصودها، وعن الدخول إلى محلها على هيئة ناقصة، وهي الجنابة المُباعِدة للصلاة ولمحلها أيضًا».وبنحوهما قال ابن عطية (٢/ ٥٦٣)، حيث قال: «وهو المقصود في الآية».
[١٧٠١] علَّق ابنُ تيمية (٢/ ٢٥٥) مُسْتَدِلًّا بقول عطاء هذا، وبما روي عن زيد بن أسلم أنّه قال: كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحدثون في المسجد وهم على غير وضوء، وكان الرجل يكون جنبًا فيتوضأ ثم يدخل فيتحدث. على جواز لُبْثِ الجُنُبِ في المسجد إذا توضأ، وعلَّل ذلك بقوله: «وهذا لأنّ الوضوء يرفع الحدثين عن أعضاء الوضوء، ويرفع حكم الحدث الأصغر عن سائر البدن، فيقارِبُ مَن عليه الحدث الأصغر فقط، ولهذا أمر الجُنُب إذا أراد النوم والأكل بالوضوء، ولولا ذلك لكان مُجَرَّد عبث، يُبَيِّن ذلك أنّه قد جاء في نهي الجُنُب أن ينام قبل أن يتوضأ أن لا يموت فلا تشهد الملائكة جنازته. فهذا يدل على أنّه إذا توضأ شهدت جنازته، ودخلت المكان الذي هو فيه، ونهى الجُنُبَ عن المسجد؛ لئلا يؤذي الملائكة بالخروج، فإذا توضأ أمكن دخول الملائكة المسجد، فزال المحذور، وهذا العبور إنما يجوز إذا كان لحاجةٍ وغرضٍ وإن لم يكن ضروريًّا، فأمّا لمجرد العبث فلا».

<<  <  ج: ص:  >  >>