للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ما يروى عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ بل اختلف تعاملهم حتى مع نفس المروي عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بحسب مضمونه كما سلف.

ولا شك أن منطق الفطرة والعقل يقتضي أن يكون احتياطهم وتشددهم في المروي عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وما يجري مجراه مما له حكم الرفع أكثر وأشد مما سوى ذلك من الأخبار، إذ الثابت عنه تشريع معصوم، والمروي عن غيره رأي غير معصوم، وإذا كانت درجات التشدد والتساهل تختلف صعودًا ونزولًا حتى في المروي عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فبالأحرى ستختلف درجاتها عمن سواه، ولهذا كان تحصيل غلبة الظن بقبول الخبر عن غير رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أيسر من تحصيلها فيما يروى عنه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

ولذا؛ نقل عن سعد بن إبراهيم قوله: "ليس يحدث عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا الثقات" (١)، ونقل عن أحمد قوله في جويبر بن سعيد: "ما كَانَ عن الضحاك فهو على ذاك أيسر، وما كَانَ بسند عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فهو منكر" (٢).

وكذا تختلف قيمة الأخبار الثابتة عن الصحابة وترتفع درجتها عن أخبار من بعدهم في بعض الأبواب والأحوال، وتختلف تبعًا لذلك درجات التشدد والتساهل المؤثرة في القبول والرد. . . إلخ.

* المحدد الثالث: إصابة ناقل الخبر أو خطؤه:

الحكم الذي يصدره الناقد بقبول الرواية أو ردِّها عبر هذا المحدد مداره على إصابة الراوي أو خطئه؛ فالعلة التي يؤسس الناقد عليها حكمه بقبول الرواية أو ردّها هي وقوع الخطأ في الرواية أو عدم وقوعه، فالخطأ خطأ ولو رواه الثقة، والصواب صواب ولو رواه الضعيف، ولا ينقلب الخطأ صوابًا برواية الثقة له، ولا ينقلب الصواب خطأ برواية الضعيف له (٣)، لأنه ليس ثمَّ توثيق مطلق أو تضعيف مطلق للرواة بحيث يكون القبول ملازمًا لكل مرويات مَنْ وُصِف بالثقة، أو الرد ملازمًا لكل مرويات من وصف بالضعف؛ ولذا فليس من الصواب اعتماد مجرد الأوصاف


(١) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ٢/ ٣١.
(٢) تهذيب الكمال في أسماء الرجال ٥/ ١٦٨.
(٣) وليس معنى ذلك قبول كل ما أصاب فيه الضعيف مطلقًا؛ لكون إصابته في بعض الروايات مفتقرة إلى قرائن أخرى تؤهلها لاعتماد الناقد لها وقبولها.

<<  <  ج: ص:  >  >>