للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كُرْز بن جابر المحاربي يُمِدُّ المشركين، فشق ذلك عليهم؛ فأنزل الله: {ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف} إلى قوله: {مسومين}. قال: فبلغت كُرْزًا الهزيمة؛ فلم يُمِدَّ المشركين، ولم يُمَدَّ المسلمون بالخمسة (١). (٣/ ٧٥٢)

[تفسير الآية]

١٤٤٤٧ - عن عبد الله بن عباس -من طريق مِقْسَم- قال: كان الذي أسر العباسَ أبا اليَسَر كعب بن عمرو أخا بني سلمة، وكان أبو اليَسَر رجلًا مجموعًا، وكان العباس رجلًا جسيمًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي اليَسَر: «كيف أسرت العباسَ، أبا اليَسَر؟». قال: يا رسول الله، لقد أعانني عليه رجلٌ ما رأيته قبل ذلك ولا بعده، هيئتُه كذا وكذا. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لقد أعانك عليه مَلَكٌ كريم» (٢). (ز)

١٤٤٤٨ - عن عبد الله بن عباس -من طريق مِقْسَم- قال: لم تقاتل الملائكةُ في يومٍ من الأيام سوى يوم بدر، وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عَدَدًا ومَدَدًا؛ لا يضرِبون (٣) [١٣٧١]. (ز)


[١٣٧١] حكى ابنُ جرير (٦/ ٢٨) في قوله تعالى: {إذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ ألَنْ يَكْفِيَكُمْ أنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ} اختلاف المفسرين في اليوم الذين وُعِدَ فيه المؤمنون بإمدادهم بالملائكة، وهل حَضَرَتِ الملائكة يومئذٍ حربهم أم لا؟ فذكر أربعة أقوال: الأول: كان هذا الوعد من الله للمؤمنين يوم بدر أن يُمِدَّهم بملائكته إن أتاهم العدوُّ من فورهم، فلم يأتوهم، ولم يُمَدُّوا. وهو قول الشعبي. الثاني: كان هذا الوعد من الله لهم يوم بدر، فصبر المؤمنون، واتقوا الله، فأمدَّهم بملائكته على ما وعدهم. وهو قول مالك بن ربيعة من طريق عبد الله بن أبي بكر، وابن عباس من طريق مقسم، وأبي داود المازني من طريق ابن إسحاق، وأبي رافع من طريق عكرمة، وقتادة، والربيع من طريق أبي جعفر، ومجاهد من طريق ابن خثيم. الثالث: كان هذا الوعد من الله لهم يوم بدر إن صبروا عند طاعته، وجهاد أعدائه، واتقوه باجتناب محارمه، أنْ يُمِدّهم في حروبهم كلّها، فلم يصبروا، ولم يتقوا إلا في يوم الأحزاب، فأمَدّهم حين حاصروا قريظة. وهو قول عبد الله بن أبي أوفى. الرابع: بنحو هذا المعنى، غير أنهم قالوا: لم يصبر القوم، ولم يتقوا، ولم يُمَدُّوا بشيءٍ في أحد. وهو قول عكرمة من طريق عمرو بن دينار، والضحاك، وابن زيد.
ثم رجَّح مستندًا إلى ظاهر لفظ الآية أنّ المؤمنين وُعِدوا بثلاثة آلاف من الملائكة مَدَدًا لهم، ثم وُعِدوا بعد الثلاثة آلاف بخمسة آلاف إن صبروا لأعدائهم واتقوا الله، ولا دلالة في الآية على أنهم أُمِدُّوا بهم، ولا على أنهم لم يُمَدُّوا بهم. وبيَّن بأنّ كلا الأمرين جائز -أي: الإمداد وعدمه- على نحو ما روى أصحابُ كُلِّ قولٍ ما ثبت عنده، غير أنه لا يمكن التسليم بقول إلا بخبر تقوم به الحجة.
ثم أشار إلى ما يُؤَيِّدُ القولَ الثاني، ويُضْعِفُ القول الرابع، فقال: «غير أنّ في القرآن دلالةٌ على أنهم أُمِدُّوا يوم بدرٍ بألفٍ من الملائكة، وذلك قوله -تبارك وتعالى-: {إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فاسْتَجابَ لَكُمْ أنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: ٩]. فأمّا في يوم أحد فالدَّلالة على أنهم لم يُمَدُّوا أبْيَنُ منها في أنّهم أُمِدُّوا، وذلك أنهم لو أُمِدُّوا لم يُهزَموا، ويُنال منهم ما نِيلَ منهم».
ورَجَّح ابنُ كثير (٣/ ١٧٥) مستندًا إلى لفظ الآية والنظائر أنّ الإمداد بالملائكة كان يوم بدر، وأنهم أُمِدّوا بثلاثة آلاف فما فوقها، فقال في سياق ذِكْر أدلة القائلين بأنّه يوم بدر: «فإن قيل: فما الجمع بَيْن هذه الآية -على هذا القول -وبَيْن قوله تعالى في قصة بدر: {إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فاسْتَجابَ لَكُمْ أنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وما جَعَلَهُ اللَّهُ إلا بُشْرى ولِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وما النَّصْرُ إلا مِن عِنْدِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: ٩ - ١٠]؟ فالجواب: أنّ التنصيص على الألف هاهنا لا ينافي الثلاثة الآلاف فما فوقها، لقوله: {مُرْدِفِينَ}، بمعنى: يردفهم غيرَهم، ويَتْبَعهم ألوف أُخَر مثلهم. وهذا السياق شبيه بهذا السياق في سورة آل عمران؛ فالظاهر أن ذلك كان يوم بدر كما هو المعروف من أنّ قتال الملائكة إنما كان يوم بدر».
وانتَقَد ابنُ عطية (٢/ ٣٤٣) مستندًا إلى مخالفة أقوال السلف قولَ الشعبي أنّ المؤمنين لم يُمَدّوا بالملائكة يوم بدر، فقال: «وخالف الناسُ الشعبيَّ في هذه المقالة، وتظاهرت الروايات بأنّ الملائكة حَضَرَتْ بدرًا، وقاتلت».
ثم وجَّه كلام القائلين بأنّ قوله تعالى: {ألَنْ يَكْفِيَكُمْ} كان في يوم بدر، والقائلين بأنه كان في يوم أحد، فقال: «فمَن قال مِن المفسرين: إنّ قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للمؤمنين: {ألَنْ يَكْفِيَكُمْ} كان في غزوة بدر، فيجيء التذكير بأمر بدر، وبأمر الملائكة وقتالهم فيه مع المؤمنين، محرِّضًا على الجدِّ والتوكل على الله. ومَن قال: إنّ قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: {ألَنْ يَكْفِيَكُمْ} الآية إنما كان في غزوة أحد، كان قوله تعالى: {ولَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} إلى {تَشْكُرُونَ} اعتراضًا بَيْن الكلام جميلًا».

<<  <  ج: ص:  >  >>