للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ}

٢٥٤٨ - عن عبد الله بن عباس -من طريق أبي رَوْق، عن الضحاك- قال: الأُمِّيُّون قومٌ لم يُصَدِّقوا رسولًا أرسله الله، ولا كتابًا أنزله، فكتبوا كتابًا بأيديهم، ثم قالوا لقوم سَفِلةٍ جُهّال: هذا من عند الله. وقال: قد أخبرهم أنهم يكتبون بأيديهم، ثم سماهم أُمِّيِّين؛ لجحودهم كتب الله ورسله (١) [٣٢٨]. (١/ ٤٣١)

٢٥٤٩ - عن إبراهيم النَّخَعِي -من طريق منصور- في قوله: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب}، قال: منهم مَن لا يُحْسِن أن يكتب (٢) [٣٢٩]. (١/ ٤٣٢)


[٣٢٨] انتقد ابنُ جرير (٢/ ١٥٤) تفسير الأميين بأنهم مَن لم يصدقوا الله ورسوله مستندًا إلى مخالفة ذلك التفسير للغة العرب، فقال: «وهذا التأويل تأويلٌ على خلاف ما يُعرَف من كلام العرب المستفيض بينهم، وذلك أنّ الأُمِّيَّ عند العرب: هو الذي لا يكتب».
[٣٢٩] قال ابنُ جرير (٢/ ١٥٣): «يعني بالأميين: الذين لا يكتبون ولا يقرءون، ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنا أُمَّة أُمِّيَّة، لا نكتب، ولا نحسب»، يقال منه: رجل أمي بيِّنُ الأمية».
ثُمَّ رجَّح (٢/ ١٥٤) هذا المعنى مستندًا إلى موافقته للغة العرب، فقال: «فإذا كان معنى الأمي في كلام العرب ما وصفنا؛ فالذي هو أولى بتأويل الآية ما قاله النخعي من أنّ معنى قوله: {ومنهم أميون}: ومنهم من لا يحسن أن يكتب».
وكذا رجَّحه ابنُ كثير (١/ ٤٦٤)، وقال: «وهو ظاهر في قوله تعالى: {لا يعلمون الكتاب إلا أماني}، أي: لا يدرون ما فيه، ولهذا في صفات النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمي؛ لأنه لم يكن يُحْسِن الكتابة، كما قال تعالى: {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون} [العنكبوت: ٤٨]، وقال -عليه الصلاة والسلام-: «إنا أُمَّة أُمِّيَّة، لا نكتب، ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا» الحديث. أي: لا نفتقر في عباداتنا ومواقيتها إلى كتاب ولا حساب، وقال تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم} [الجمعة: ٢]».
وأما ابن تيمية (١/ ٢٤٩ - ٢٥٠) فقد ذكر معنيين لكلمة أُمِّيٍّ، فقال: «ويقال: الأُمِّيّ لمن لا يقرأ ولا يكتب كتابًا، ثم يقال لمن ليس لهم كتاب منزل من الله يقرءونه وإن كان قد يكتب ويقرأ ما لم ينزل، وبهذا المعنى كان العرب كلهم أميين؛ فإنه لم يكن عندهم كتاب منزل من الله، قال الله تعالى: {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم}، وقال: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم}، وقد كان في العرب كثير ممن يكتب ويقرأ المكتوب، وكلهم أميون، فلما نزل القرآن عليهم لم يبقوا أميين باعتبار أنهم لا يقرءون كتابًا من حفظهم، بل هم يقرءون القرآن من حفظهم وأناجيلهم في صدورهم، لكن بقوا أميين باعتبار أنهم لا يحتاجون إلى كتابة دينهم، بل قرآنهم محفوظ في قلوبهم، كما في الحديث: «وأنزلتُ عليك كتابًا لا يغسله الماء، تقرؤه نائمًا ويقظانَ» ... وقوله: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ} هو أُمِّيٌّ بهذا الاعتبار؛ لأنه لا يكتب، ولا يقرأ ما في الكتب، لا باعتبار أنه لا يقرأ من حفظه، بل كان يحفظ القرآن أحسن حفظ».
وبيَّن ابنُ جرير (٢/ ١٥٤) وجه التسمية بالأمي، فقال: «وأرى أنه قيل للأمي: أمي -نسبةً له بأنه لا يكتب- إلى أُمِّه؛ لأنّ الكتابَ كان في الرجال دون النساء، فنسب من لا يكتب ولا يخط من الرجال إلى أمه في جهله بالكتابة، دون أبيه».
وزاد ابنُ عطية (١/ ٢٦٢) فقال: «وإما لأنّه بحالٍ ولدته أمه فيها لم ينتقل عنها. وقيل: نسب إلى الأُمَّة، وهي القامة والخلقة، كأنه ليس له من الآدميين إلا ذلك. وقيل: نسب إلى الأَمَة على سذاجتها قبل أن تعرف المعارف، فإنها لا تقرأ ولا تكتب».
وأما ابنُ تيمية (١/ ٢٤٩) فرجَّح أنه نسبة إلى الأُمَّة، كما يقال عامي نسبة إلى العامة التي لم تتميز عن العامة بما تمتاز به الخاصة، وكذلك هذا، لم يتميز عن الأمة بما يمتاز به الخاصة من الكتابة والقراءة.

<<  <  ج: ص:  >  >>