للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فيكون}. لا يثني (١). (ز) (ز)

[قصة ذلك]

١٢٩٥٢ - عن وهْب بن مُنَبِّه -من طريق ابن بنته إدريس بن سنان- قال: لَمّا استقرَّ حَمْلُ مريم، وبشَّرَها جبريلُ؛ وثِقَت بكرامة الله واطمَأنّتْ، فطابتْ نَفْسًا، واشْتَدَّ أزْرُها، وكان معها في المُحَرَّرِين ابنُ خالٍ لها يُقال له: يوسف. وكان يخدمها مِن وراء الحجاب، ويُكلِّمها، ويُناوِلُها الشيءَ مِن وراء الحجاب، وكان أوَّل مَنِ اطَّلع على حملها هو، واهتمَّ لذلك، وأحزنه، وخاف مِن البَلِيَّة التي لا قِبلَ له بها، ولم يشعر مِن أين أُتِيَت مريم، وشغله عن النَّظَر في أمر نفسه وعمله؛ لأنَه كان رجلًا مُتَعَبِّدًا حكيمًا، وكان مِن قبلِ أن تَضْرِب مريمُ الحجابَ على نفسها تكون معه، ونشأ معها. وكانت مريمُ إذا نفِدَ ماؤها وماءُ يوسف أخذا قُلَّتَيْهِما، ثُمَّ انطَلَقا إلى المفازة التي فيها الماء، فيَمْلَآنِ قُلَّتَيْهِما، ثُمَّ يرجعان إلى الكنيسة، والملائكةُ مُقْبِلَةٌ على مريم بالبشارة: {يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك}. فكان يَعْجَبُ يوسفُ مِمّا يسمعُ، فلَمّا استبان ليوسفَ حملُ مريم وقع في نفسه مِن أمرها، حتى كاد أن يَفْتَتِنَ، فلما أراد أن يَتَّهِمَها في نفسه ذَكَرَ ما طهَّرها اللهُ واصطفاها، وما وعد اللهُ أُمَّها أنّه مُعيذُها وذُرِّيَّتَها من الشيطان الرجيم، وما سمع من قول الملائكة: {يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك}. فذكر الفضائل التي فضّلها الله تعالى بها، وقال: إنّ زكريا قد أحْرَزَها في المحراب فلا يدخلُ عليها أحدٌ، وليس للشَّيطان عليها سبيل، فمِن أين هذا؟ فلمّا رأى مِن تغيُّر لونها، وظهورِ بطنها؛ عظُم ذلك عليه، فعرَّض لها، فقال: يا مريم، هل يكون زرعٌ مِن غير بَذْرٍ؟ قالت: نعم. قال: وكيف ذلك؟ قالت: إنّ اللهَ خَلَقَ البَذْرَ (٢) الأوَّلَ مِن غير نبات، وأنبت الزَّرعَ الأوَّل مِن غير بذر، ولعلَّك تقول: لم يقدر أن يخلق الزَّرع الأول إلّا بالبَذْرِ؟! ولعلّك تقول: لولا أنّه استعان عليه بالبذر لغلبه حتى لا يقدر على أن يَخْلُقَه ولا يُنبِتَه؟! قال يوسف: أعوذُ بالله أن أقول ذلك، قد صدَقْتِ، وقُلْتِ بالنور والحكمة، كما قَدَر أن يخلق الزَّرع الأوَّل وينبته من غير بَذْرٍ يقدِر على أن يجعل زَرْعًا من غير بَذْر. فأخبريني: هل ينبتُ الشجرُ مِن غير ماءٍ ولا مطر؟ قالت: ألم تعلم أنّ للبَذْرِ والزَّرْعِ والماءِ والمطرِ والشَّجَرِ خالِقًا واحدًا؟ فلعلّك تقول: لولا


(١) تفسير مقاتل بن سليمان ١/ ٢٧٦.
(٢) البَذْرُ: ما عُزِل للزراعة من الحبوب. القاموس واللسان (بذر).

<<  <  ج: ص:  >  >>