وقال (٣/ ٢٦٥ - ٢٦٦ بتصرُّف): «فإن قال قائِلٌ: فما وجه وِصال مَن واصَل؟ ... قيل: وجْهُ مَن فعل ذلك -إن شاء الله تعالى- على طلب الخُموصة لنفسه والقوة، لا على طلب البِرِّ لله بفعله. وفعلُهم ذلك نظيرُ ما كان عمر بن الخطاب يأمرهم به بقوله: اخشَوشِنوا، وتمَعْددوا، وانزُوا على الخيل نَزْوًا، واقطعوا الرُّكُب، وامشوا حُفاة. وقد رَغِب -لِمَن واصل- عن الوصال كثيرٌ من أهل الفضل، حدَّثنا ... عن أبي إسحاق: أنّ ابن أبي نُعم كان يواصل من الأيام حتى لا يستطيع أن يقومَ، فقال عمرو بن ميمون: لو أدرَك هذا أصحابُ محمد - صلى الله عليه وسلم - رَجمُوه. وقد رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الإذنُ بالوصال من السَّحر إلى السَّحر». وقال ابنُ كثير (٢/ ٢٠٦ - ٢٠٧ بتصرُّف) في الوِصال: "هو أن يَصِل صوم يوم بيوم آخر، ولا يأكل بينهما شيئًا، وقد ثبت النهي عنه من غير وجه، وثبت أنه من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنّه كان يُقَوّى على ذلك ويُعان، والأظهر أنّ ذلك الطعام والشراب في حقّه إنما كان معنويًّا لا حسيًّا، وإلا فلا يكون مواصلًا مع الحسي، ولكن كما قال الشاعر: لها أحاديثُ من ذِكْراك تُشْغِلُها ... عن الشراب وتُلْهِيها عن الزّاد". وقال (٢/ ٢٠٧ - ٢٠٨) فيما رُوِي من وصال بعض السلف: «يحتمل أنهم كانوا يفهمون من النهي أنّه إرشاد، أي: من باب الشفقة، كما جاء في حديث عائشة: رحمة لهم. فكان ابنُ الزبير وابنُه عامر ومَن سلك سبيلهم يَتَجَشَّمُون ذلك ويفعلونه، لأنهم كانوا يجدون قُوَّة عليه. وقد رُوِي عن ابن الزبير أنه كان يُواصِل سبعة أيام، ويُصْبِح في اليوم السابع أقواهم وأجلدهم. وقال أبو العالية: إنّما فرض الله الصيام بالنهار، فإذا جاء بالليل فمن شاء أكل ومن شاء لم يأكل».