للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة فإنهم أدرى بذلك؛ لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح لا سيما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين" (١)، وهو في هذا متابع لابن تيمية (ت: ٧٢٨ هـ) وآخذ عنه (٢). وهذا المنهج ظاهر جدًّا في تفاسير هؤلاء الأئمة بما يغني عن الاستشهاد له.

[٣ - توجيه آثار السلف]

ومعنى التوجيه: بيان وجه القول، ومقصده. كما هو مقتضاه في اللغة، واستعمال أهل العلم، ولا سيما المفسرون له.

وقد تميز الأئمة الخمسة بين عامة المفسرين بحسن توجيه أقوال السلف إلى ما يليق بها من المعاني؛ من جهة مقاصدهم، ومراتبهم في العلم والدين.

وكان المقدم فيهم إمام المفسرين ابن جرير (ت: ٣١٠ هـ)، فقد أبان في تفسيره عن صحة فهم لمقاصد السلف من أقوالهم، مع دقة البيان عنهم، وقدرته على جمع المعاني المؤتلفة في معنًى عام يتقن التعبير عنه. ومن شواهد ذلك قوله عند قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} [الأنعام: ٨٩]: " {وَالْحُكْمَ}؛ يعني: الفهم بالكتاب ومعرفة ما فيه من الأحكام. وروي عن مجاهد في ذلك. .، قال: الحكم هو اللب. وعنى مجاهد إن شاء اللَّه ما قلت؛ لأن اللب هو العقل، فكأنه أراد أن اللَّه آتاهم العقل بالكتاب، وهو بمعنى ما قلنا من أنه الفهم به" (٣)، وقال: "روي عن قتادة في تأويل قوله: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنعام: ١٠٠] أنه: يكذبون. وأحسب أن قتادة عنى بتأويله ذلك كذلك أنهم يكذبون في وصفهم اللَّه بما كانوا يصفونه به؛ من ادعائهم له بنين وبنات، لا أنه وجه تأويل الوصف إلى الكذب" (٤)، وقال بعد أن أورد أقوال السلف في معنى قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة: ٣٧]: "وهذه الأقوال التي حكيناها عمن حكيناها عنه، وإن كانت مختلفة الألفاظ، فإن معانيها متفقة. . . " (٥).

وقرر ابن جرير (ت: ٣١٠ هـ) في هذا الباب أنه لا وجه لتوجيه كلام أحد من السلف


(١) تفسير القرآن العظيم ١/ ٧.
(٢) مجموع الفتاوى ١٣/ ٣٦٤.
(٣) جامع البيان ٩/ ٣٨٧.
(٤) جامع البيان ٩/ ٤٥٧.
(٥) جامع البيان ١/ ٥٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>