للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الخطاب، وإذا فات نقل بعض القرائن الدالة فات فهم الكلام جملة، أو فهم شيء منه.

ومعرفة أسباب النزول رافعة لكل مشكل في هذا النمط، فهي من المهمات في فهم الكتاب بلا بد، ومعنى معرفة السبب هو معنى مقتضى الحال (١).

ويدل على ذلك: ما رواه أبو الشيخ وابن مردويه والحاكم عن ابن عباس (-رضي اللَّه عنهما-) قال: "أتي برجل من المهاجرين الأولين -وقد شرب الخمر- فأمر به عمر أن يجلد، فقال: لم تجلدني؟! بيني وبينك كتاب اللَّه، قال: وفي أي كتاب اللَّه تجد أن لا أجلدك؟

قال: فإن اللَّه تعالى يقول في كتابه: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: ٩٣]، فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وأحسنوا؛ شهدت مع رسول اللَّه: بدرًا، وأُحدًا، والخندق، والمشاهد.

فقال عمر: ألا تردون عليه؟

فقال ابن عباس: هؤلاء الآيات نزلت عذرًا للماضين، وحجة على الباقين، عذرًا للماضين؛ لأنهم لقوا اللَّه قبل أن حرم اللَّه عليهم الخمر، وحجة على الباقين؛ لأن اللَّه يقول: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ} [المائدة: ٩٠] حتى بلغ الآية الأخرى" (٢).

فانظر كيف خفي على هذا البدري -رضي اللَّه عنه- حكم هذه الآية لما لم يكن يعلم سبب نزولها، وكيف أنها لم تشكل على من علم سبب نزولها؟ فنزلها منزلتها، وبيَّن معناها.

[٢ - أنهم عرفوا أحوال من نزل فيهم القرآن]

يقول الشاطبي -في بيان أهمية معرفة الأحوال في التفسير-: "ومن ذلك: معرفة عادات العرب في أقوالها وأفعالها ومجاري أحوالها حالة التنزيل، وإن لم يكن ثمَّ سبب خاص، لا بد لمن أراد الخوض في علم القرآن منه، وإلا وقع في الشبه والإشكالات التي يتعذر الخروج منها إِلَّا بهذه المعرفة" (٣).


(١) الموافقات بتصرف ٤/ ١٤٦.
(٢) رواه البيهقي في السنن الكبرى ٨/ ٣٢٠ من طريق أبي الشيخ، وابن مردويه كما في الدر المنثور ٣/ ١٧٤، والحاكم في المستدرك في كتاب الحدود ٤/ ٤١٧، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: فيه ابن فليح لا أعرفه. صحيح البخاري برقم (٤٥١٩).
(٣) الموافقات ٤/ ١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>