وذكر ابنُ جرير (١٣/ ٣٩٩ - ٤٠٠) أنّ القراءة الأولى بالنونين بمعنى: فننجي نحن من نشاء مِن رسلنا والمؤمنين بنا، دون الكافرين إذا جاء نصرنا، وبيَّن أن الذين قرءوا ذلك اعتلوا بأنّه إنما كتب في المصحف بنون واحدة، وحكمه أن يكون بنونين؛ لأنّ إحدى النونين حرف من أصل الكلمة، من أنجى ينجي، والأخرى النون التي تأتي لمعنى الدلالة على الاستقبال، من فعل جماعة مخبرة عن أنفسها؛ لأنهما حرفان، أي: النونين من جنس واحد، يُخفَي الثاني منهما عن الإظهار في الكلام، فحذفت من الخط، واجتزئ بالمثْبَتة من المحذوفة، كما يُفعل ذلك في الحرفين اللذين يدغم أحدهما في صاحبه. وبيَّن أنّ مَن قرأ: (فنَجى) بفتح النون والتخفيف، فذلك مِن: نجا من عذاب الله من نشاء، ينجو. وأنّ مَن قرأ بتشديد الجيم ونصب الياء، فذلك معنى: فُعِل ذلك به، مِن نجّيته أُنَجّيه. وبنحوه قال ابنُ عطية (٥/ ١٦٥ - ١٦٦). ورجَّح ابنُ جرير (١٣/ ٤٠٠) قراءة النونين مستندًا إلى شهرتها، وإجماع القراء، فقال: «لأنّ ذلك هو القراءة التي عليها القراءة في الأمصار، وما خالفه مِمَّن قرأ ذلك ببعض الوجوه التي ذكرناها فمُنفَرِدٌ بقراءته عمّا عليه الحُجَّةُ مُجْمِعَةٌ من القراء، وغيرُ جائِزٍ خلافُ ما كان مستفيضًا بالقراءة في قراءة الأمصار».