ثالثًا الأصول العامة في تعامل الأئمة مع مستندات التفسير
يقوم تعامل الأئمة الخمسة (ابن جرير، وابن عطية، وابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير) مع مستندات التفسير على جملة أصول، يمكن إجمالها فيما يأتي:
الأول: أن جميع هذه المستندات عندهم أصول معتبرة، يصح الاستناد إليها، والتعويل عليها في قبول المعاني، وردها، والترجيح بينها، وشواهد هذا من استشهاداتهم على المعاني واستدلالهم بها أكثر من أن تحصر، كما هو ظاهر في الأمثلة السابقة في أنواع المستندات. والتفاوت الحاصل بين هؤلاء الأئمة في الإكثار من استعمال بعض هذه المستندات أو الإقلال من بعضها الآخر لا يخرجها عن أن تكون معولًا يستدل به ويعتمد عليه عندهم، وإنما مرد ذلك إلى تفاوت القدرة العلمية، والقوة العقلية، واختلاف مقامات التأليف والفتيا، والقصد إلى التفسير أو الاقتصار على الترجيح مع ما تيسر من الأدلة، ونحو ذلك من الأحوال والمقامات التي تعرض للمفسر منهم (١).
الثاني: كل قول في التفسير لا يستند إلى أحد هذه المستندات فهو باطل مردود، وذلك فرع عن اعتمادها والاستناد إليها دون غيرها، فلا حجة صحيحةً في غيرها، ومن شواهد ذلك قوله تعالى:{وَلَا تَقرَبُوا الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ}[الأنعام: ١٥١]، حيث رجح ابن جرير (ت: ٣١٠ هـ) وابن عطية (ت: ٥٤١ هـ) العموم، وقال ابن جرير (ت: ٣١٠ هـ): "أن دليل الظاهر من التنزيل على النهي عن ظاهر كل فاحشة وباطنها، ولا خبر يقطع العذر بأنه عني به بعض دون جميع، وغير جائز إحالة ظاهر
(١) يثار هنا إلى ما في تفسير ابن كثير (ت: ٧٧٤ هـ) من اضطراب في تعامله مع الإسرائيليات خصوصًا؛ حيث يرد عددًا من الأقوال لمجرد أنها مروية عن بني إسرائيل، بل لاحتمال كونها مرويةً عنهم ٦/ ٣٤٣، ٤٨٤، ١٠/ ٣٠١، ٤١٣، مع نصّه على صحة الرواية عنهم فيما يجوزه العقل ١/ ١٠، ٩/ ٤١١، ١٣/ ١٨٠، بل واستدلاله الصريح بها ٩/ ١٨٨ - ١٨٩، ٢٣٢، ١٠/ ٤٥٢، ١٢/ ٢٣.