وانتقد ابنُ القيم (٣/ ٣٧٩) قول مقاتل -مستندًا إلى الدلالة العقلية- قائلًا: «وقد غلط في السورة خلائق، وظنوا أنها منسوخة بآية السيف؛ لاعتقادهم أنّ هذه الآية اقتضت التقرير لهم على دينهم، وظنّ آخرون أنها مخصوصة بمن يُقرّون على دينهم وهم أهل الكتاب، وكلا القولين غلط محض، فلا نسخ في السورة ولا تخصيص، بل هي محكمة، وعمومها نصٌّ محفوظ، وهي مِن السور التي يستحيل دخول النسخ في مضمونها، فإنّ أحكام التوحيد التي اتفقتْ عليه دعوة الرسل يستحيل دخول النسخ فيه، وهذه السورة أخلصت التوحيد، ولهذا تُسمّى سورة الإخلاص كما تقدم. ومنشأ الغلط: ظنهم أنّ الآية اقتضتْ إقرارهم على دينهم، ثم رأوا أنّ هذا الإقرار زال بالسيف، فقالوا: منسوخ. وقالت طائفة: زال عن بعض الكفار، وهم مَن لا كتاب لهم، فقالوا: هذا مخصوص بأهل الكتاب. ومعاذ الله أن تكون الآية اقتضتْ تقريرًا لهم أو إقرارًا على دينهم أبدًا، بل لم يزل رسول الله من أول الأمر وأشده عليه وعلى أصحابه أشد في الإنكار عليهم، وعيب دينهم، وتقبيحه والنهي عنه، والتهديد والوعيد كلّ وقت، وفي كلّ نادٍ، وقد سألوه أن يكُفّ عن ذِكْر آلهتهم، وعيب دينهم، ويتركونه وشأنه، فأبى إلا مُضيًّا على الإنكار عليهم وعيب دينهم، فكيف يقال: إنّ الآية اقتضتْ تقريره لهم؟ معاذ الله مِن هذا الزعم الباطل، إنما الآية اقتضت البراءة المحضة كما تقدم، وأنّ ما هم عليه مِن الدين لا نوافقكم عليه أبدًا، فإنه دين باطل، فهو مختصٌّ بكم، لا نشرككم فيه، ولا أنتم تشركوننا في ديننا الحق، فهذا غاية البراءة والتنصُّل مِن موافقتهم في دينهم، فأين الإقرار حتى يَدَّعوا النسخ أو التخصيص؟! أفَترى إذا جُوهدوا بالسيف كما جُوهدوا بالحجّة لا يصح أن يقال: {لَكُمْ دِينُكُمْ ولِيَ دِينِ}؟! بل هذه آية قائمة محكمة ثابتة بين المؤمنين والكافرين إلى أن يُطهِّر الله منهم عباده وبلاده».