للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يذكر إسناده، ولما أورد عنه قوله. نزلت في بدر؛ ساق الإسناد؛ لأنه اعتبر هذه الصيغة من المسند الذي في حكم المرفوع.

والحكم عليها بأنها من المسند لا يعني أنها سبب نزول صريح، فهناك فرق بين الأمرين واضح، والمقصود هنا أن التفسير الذي يأتي بهذه الصيغة من قبيل الرأي والاجتهاد، وأنها لا تدل على سبب النزول المباشر إلا إذ حف بها قرائن تدل على ذلك.

ومن الأمثلة التي تشير إلى وقوع الاجتهاد في هذه العبارة المثالان الآتيان:

١ - أخرج البخاري (ت: ٢٥٦ هـ) عن أنس (ت: ٩٣ هـ) قال: "نرى هذه الآية نزلت في أنس بن النضر: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٢٣] " (١).

٢ - وروى ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال: نزلت في الحرورية: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: ٣٣] (٢).

والحرورية (الخوارج) لم يكونوا موجودين لما نزلت الآية، لكن سعدًا نزل الآية عليهم، ورأى أنهم يدخلون في حكمها.

ومن أمثلة ما حفت به قرائن تدل على أنه سبب مباشر للنزول، له حكم الرفع، ما رواه البخاري في تفسير قوله تعالى: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: ٣٧]، عن أنس بن مالك: أن هذه الآية: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} نزلت في شأن زينب بنت جحش وزيد بن حارثة (٣).

وهذا الذي قاله أنس لا خلاف فيه، فهو في حكم المسند.

[تعدد المحكي في النزول]

ولما كان يرد بهذه الصيغة ما هو من قبيل الاجتهاد في التفسير، فإنه قد يتعدد المحكي في النزول، ويكون من باب اختلاف التنوع، ومن أمثلة ذلك:

١ - ورد في تفسير قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: ٢٣]، برقم (٤٧٨٣).
(٢) ينظر: تفسير ابن كثير: تفسير الآية ٣٣ من سورة المائدة.
(٣) رواه البخاري في كتاب التفسير من صحيحه، باب: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} من سورة الأحزاب، برقم (٤٧٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>