[١٩٦٧] رجَّحَ ابنُ جرير (٨/ ١٠٦ بتصرف) أنّ المقصود بـ {الجوارح}: كلُّ ما صاد من الطير والسِّباع، وإنّ صَيْد جميع ذلك حلال إذا صاد بعد التعليم، مُسْتَنِدًا إلى عموم الآية، ودلالة السُّنَّة، فقال: «أوْلى القولين بتأويل الآية قول مَن قال: كلُّ ما صاد من الطير والسِّباع فمِن الجوارح، وإنّ صَيْدَ جميع ذلك حلال إذا صاد بعد التعليم؛ لأنّ الله -جَلَّ ثَناؤُه- عَمَّ بقوله: {وما عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ} كُلَّ جارِحَة، ولم يُخَصِّصْ منها شيئًا، فكلُّ جارِحة كانت بالصِّفَة التي وصف الله من كلِّ طائِر وسَبُع فحلالٌ أكْلُ صيدِها. وقد رُوِي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو ما قلنا في ذلك خبرٌ، مَعَ ما في الآية مِن الدَّلالة التي ذَكَرْنا على صِحَّة ما قُلْنا في ذلك، وهو ما حدَّثنا به هَنّاد، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن مُجالِد، عن الشعبي، عن عَدِيِّ بن حاتِم، قال: سألْت رسول الله عن صيد البازِيّ، فقال: «ما أمْسَكَ عليك فكُلْ». فأباح - صلى الله عليه وسلم - صَيْد البازيّ، وجَعَلَه مِن الجوارح. فقوله: {مُكَلِّبِينَ} صفة للقانِص، وإن صادَ بغير الكلاب في بعض أحيانه، وهو نظير قول القائل يُخاطِب قومًا: أُحِلَّ لكم الطَّيِّبات، وما عَلَّمْتُم من الجوارح مُكَلِّبِين مُؤَمِّنِين؛ فمعلوم أنّه إنّما عَنى قائل ذلك إخْبار القوم أنّ الله -جَلَّ ذِكْرُه- أحَلَّ لهم في حال كونهم أهل إيمانٍ الطَّيِّباتِ، وصَيْدَ الجوارح التي أعْلَمَهُم أنّه لا يحلُّ لهم منه إلّا ما صادوه بها، فكذلك قوله: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتِ وما عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ}، لذلك نظيره في أنّ التَّكْلِيب لِلْقانِصِ بالكلاب كان صيدُه أو بغيرها، لا أنّه إعلام من الله -عَزَّ ذِكْرُه- أنّه لا يَحِلُّ من الصيد إلا ما صادَتْه الكلابُ».